يتم التحميل...

النفاق شين الأخلاق

العلاقة مع الله

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحذّركم أهل النفاق فإنهم الضالّون المضلّون والزالّون المزلّون، يتلونون ألواناً ويفتتنون افتتاناً" النفاق من أخطر الأمراض والأوبئة التي تفتك بالإنسان والمجتمع وتؤدي إلى نشر الفساد وانحراف الناس عن جادة الحق، وقلب الحقائق وتزييف الأمور والخيانة والذل.

عدد الزوار: 111

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحذّركم أهل النفاق فإنهم الضالّون المضلّون والزالّون المزلّون، يتلونون ألواناً ويفتتنون افتتاناً"1.

أ- مع الوصية

النفاق من أخطر الأمراض والأوبئة التي تفتك بالإنسان والمجتمع وتؤدي إلى نشر الفساد وانحراف الناس عن جادة الحق، وقلب الحقائق وتزييف الأمور والخيانة والذل.

قال تعالى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ(التوبة:77).

وفي الحديث:

"النفاق أخو الشرك"2.
"النفاق توأم الكفر"3.
"النفاق يفسد الإيمان"4.
"النفاق شين الأخلاق"5.

ولذلك يجب الابتعاد كل البعد عن هذا الوباء الذميم ومخاطره من خلال:

1- أن لا يكون المرء منافقاً ولا يتلبس بهذه الصفة الرذيلة.

2- أن يحذّر الآخرين من النفاق والوقوع في خداع المنافقين.

3- أن لا يعاشر المنافقين ويألف مجالسهم بل يهجرهم ويحذر منهم. لأنهم لا يأتون بخير بل يضلّون ويزلّون ويتلونون ويفتتنون كما عبر أمير المؤمنين عليه السلام أثناء تحذيره منهم في الوصية المتقدمة.

وسوف يأتي بيان صفات المنافقين وعلائم النفاق بغية عدم الإنخداع بهم فإنهم يظهرون شيئاً ويبطنون شيئاً آخر وما أقبح بالإنسان أن يكون ذا وجهين بحيث يبدو ظاهراً موافقاً وباطناً مخالفاً منافقاً وما ذلك إلا من ذل يجده في نفسه فقد ورد في الحديث: "النفاق من أثافي الذل"6.

ويعود أساسه إلى الخيانة كما في بعض الأحاديث: "الخيانة رأس النفاق"7.

ب- صفات المنافقين
نبدأ من صفاتهم التي وصفهم بها القرآن الكريم حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً  مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً(النساء:142-143).

وردت في هذه الآية خمس صفات للمنافقين، في عبارة قصيرة، وهي:

1- إن هؤلاء لأجل تحقيق أهدافهم الدنيئة يتوسلون بالخدعة والحيلة، حتى أنهم يريدون على حسب ظنهم أن يخدعوا الله تعالى أيضاً، ولكنهم يقعون في نفس الوقت من حيث لا يشعرون في حبال خدعتهم ومكرهم، إذ هم لأجل اكتساب ثروات مادية تافهة يخسرون الثروات الكبيرة الكامنة في وجودهم، تقول الآية في هذا المجال: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ.. .

ونستدل على التفسير المذكور أعلاه بالواو الحالية الواردة مع عبارة: ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ...

هناك قصة مشهورة مفادها أن أحد الأكابر كان ينصح أهل الحرف من مواطنيه، بأن ينتبهوا لكي لا يخدعهم المسافرون الغرباء، فقال أحدهم: كيف يمكن للغرباء البسطاء الذين لا يعرفون شيئاً عن وضع المدينة وأهلها، أن يخدعوا أهل الحرف فيها! إن أهل الحرف هم الذين بمقدورهم خداع أولئك الغرباء، فأجابهم كبير القوم بأن قصده من الإنخداع بالغرباء، هو أن يكتسب أهل الحرف من هؤلاء ثروة تافهة بالخداع، ويفقدوا بذلك ثروة الإيمان العظمية!

2- إن المنافقين بعيدون عن رحمة الله، ولذلك فهم لا يتلذذون بعبادة الله والتقرب إليه ويدل على ذلك أنهم حين يريدون أداء الصلاة يقومون إليها وهم كسالى خائرو القوى، تقول الآية في هذا الأمر: ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى...(النساء:142).

3- ولما كان المنافقون لا يؤمنون بالله وبوعوده، فهم حين يقومون بأداء عبادة معينة، إنما يفعلون ذلك رياءاً ونفاقاً وليس من أجل مرضاة الله، تقول الآية: ﴿ يُرَآؤُونَ النَّاسَ ....

4- ولو نطقت ألسن هؤلاء المنافقين بشي‏ء من ذكر الله فإِن هذا الذكر لا يتجاوز حدود الألسن، لأنه ليس من قلوبهم ولا هو نابع من وعيهم ويقظتهم، وحتى لو حصل هذا الأمر فهو ناد وقليل، وتقول الآية:﴿لاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً(النساء:142).

5- إن المنافقين يعيشون في حيرة دائمة ودون أي هدف أو خطة لطريقة الحياة، لذا فهم يعيشون حالة من التردد والتذبذب فلا هم مع المؤمنين حقاً ولا هم يقفون إلى جانب الكفار ظاهراً، وفي هذا تقول الآية: ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء...(النساء:143).

ويحسن هنا الإلتفات إلى أن كلمة "مذبذب" اسم مفعول من الأصل "ذبذب" وهي تعني في الأصل صوتاً خاصاً يسمع لدى تحريك شي‏ء معلق إثر اصطدامه بأمواج الهواء، وقد أطلقت كلمة "مذبذب" على الإِنسان الحائر الذي يفتقر إلى الهدف أو إلى أي خطة وطريقة للحياة.

هذا واحد من أدق التعابير التي أطلقها القرآن الكريم على المنافقين، كما هي إشارة إلى إمكانية معرفة المنافقين عن طريق هذا التذبذب الظاهر في حركتهم ونطقهم، كما يمكن أن يفهم من هذا التعبير أن المنافقين هم كشي‏ء معلق يتحرك بدون أي هدف وليس لحركته أي اتجاه معين، بل يحركه الهواء من أي صوب كان اتجاهه ويأخذه معه إلى الجهة التي يتحرك فيها.

ومن المهم هنا قراءة (سورة المنافقون) والوقوف بتأمل على صفاتهم فيها.

وكذلك وردت صفات عديدة للمنافقين في نهج البلاغة على لسان أمير المؤمنين عليه السلام شارحاً فيها حقيقة حالهم ومدى خطرهم في خطبة طويلة اختتمها بقول الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ(المجادلة:19).

ومن الأخبار القصار بهذا الصدد ما يلي:

1- المنافق لنفسه مداهن وعلى الناس طاعن.
2- المنافق قوله جميل وفعله الداء الدخيل.
3- المنافق لسانه يسرّ وقلبه يضرّ.
4- المنافق وقح غبيّ، متملّق شقيّ.
5- المنافق مكور مضرّ مرتاب.
6- المنافق لا يرغب فيما قد سعد به المؤمنون.
7- المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي.
8- المنافق إذا وعد أخلف وإذا فعل أفشى وإذا قال كذب8.
9- أربع من علامات النفاق: قساوة القلب، وجمود العين، والإصرار على الذنب، والحرص على الدنيا9.
10- المنافق إذا نظر لها وإذا سكت سها وإذا تكلّم لغا وإذا استغنى طغا10.

ج- وسائل النفاق‏


للنفاق وسائل، خلقها الله تعالى لتكون وسائل للطاعة وكي يستفيد منها الإنسان في طريق صلاحه، لكن الناس استعملوها في المعاني وحرفوها عن الإتجاه الذي ينبغي أن تكون فيه، تماماً كأية آلة بالإمكان الاستفادة منها لأمر مشروع وكذلك في نفس الوقت لأمر آخر غير مشروع كالسكين التي تستعمل لقطع التفاح وتوزيعه على الفقراء وبالإمكان أن يستعملها المجرم لقتل الفقراء وليس لإطعامهم والإحسان إليهم. لذلك ما نذكره من وسائل للمنافقين حيث من خلالها يحاولون أن يخدعوا الآخرين ليست مختصة بهذا الإتجاه المذموم بل هي مشتركة حسب توظيفها في الإتجاه الذي اختاره الإنسان.

وهي التالية لا على سبيل الحصر:

1- اللسان:


يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان"11.

وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إني لا أتخوّف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً أما المؤمن فيحجزه إيمانه وأما المشرك فيقمعه كفره، ولكن أتخوّف عليكم منافقاً عالم اللسان، يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون"12.

واللسان وسيلة مؤثرة إذا كان صاحبه عالماً بفنون الكلام وأساليب الاقناع والسيطرة على أفكار الآخر بحيث يبعّد له القريب ويقرّب له البعيد وفي نفس الوقت يبطن شيئاً ويظهر شيئاً آخر، فقد يبدو من كلامه إنه ناصح أمين لكن في الواقع يكون ممن يدسّ السّم بالعسل أو يطلق كلمة حق يريد بها باطلاً لهذا ينبغي الحذر والانتباه من الإنجرار وراء العبارات المعسولة التي يحاول بل يدأب أهل النفاق على استعمالها.

وفي الحقيقة كي يحصل النفاق باللسان لا بد أن يغاير بل يناقض لسان الخطاب لسان الغيبة بحيث أن في حضوره يمدحه وفي غيبته يذمّه وهو المعبّر عنه في الأخبار بذي اللسانين.

قال الله تبارك وتعالى لعيسى بن مريم عليه السلام: "يا عيسى ليكن لسانك في السر والعلانية لساناً واحداً، وكذلك قلبك، فإني أحذّرك نفسك، وكفى بي خبيراً، لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا سيفان في غمد واحد، ولا قلبان في صدر واحد"13.

وعن جزائه يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان ذا لسانين جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار"14.

2- الوجه:


والمنافق بوجهه شرّ الناس وبئس العبد ولا ينظر الله له يوم القيامة وهو المعبّر عنه في الروايات بذي الوجهين.

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه"15.

وعن الباقر عليه السلام: "بئس العبد عبد همزة لمزة يقبل بوجه ويدبر بآخر"16.

وعن الكاظم عليه السلام: "بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطري أخاه إذا شاهده، ويأكله إذا غاب عنه إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله"17.

ويكون مصيره يوم القيامة إبراز تلك الحقيقة وذلك الواقع الذي كان عليه في عالم الدنيا أمام الخلائق في ساحة العرض والنشور.

يقول الصادق عليه السلام: "من لقي الناس بوجه وعابهم بوجه جاء يوم القيامة وله لسانان من نار"18.

3- القلب:


وهو ما تحدّث عنه القرآن في قوله تعالى:﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ..(التوبة:77).

وكذلك الجوارح بالإمكان أن تكون بأجمعها من وسائل النفاق وهو ما يسمى نفاق العمل.

أعاذنا الله عزَّ وجلّ‏َ من شرور النفاق والمنافقين ووفّقنا للحذر الدائم منهم كما أوصانا أمير المؤمنين عليه السلام.

د- ذكر النبي وآله صلوات الله عليهم يذهب النفاق‏

يقول خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم: "الصلاة عليّ وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق"19.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ فإنها تذهب بالنفاق"20.


خاتمة من كلام الأمير عليه السلام

صفات المنافقين


يقول أمير المؤمنين عليه السلام في إحدى خطبه: "أحذّركم أهل النفاق، فإنّهم الضالّون المضلّون. والزالّون المزلّون، يتلوّنون ألواناً، ويفتَنُّون افتناناً، ويعمدونكم بكلّ عماد، ويرصدونكم (يسدّونكم) بكلّ مرصاد.
قلوبهم دويّة، وصفاحهم نقيّة، يمشون الخفاء، ويدبّون الضراء، وصفهم دواء، وقولهم شفاء، وفعلهم الداء العياء، حسدة الرخاء، ومؤكّدو (مولّدو) البلاء، ومقنطو الرجاء، لهم بكلّ طريق صريع، وإلى كلّ قلب شفيع، ولكلّ شجو دموع.
يتقارضون الثناء، ويتراقبون الجزاء، إن سألوا (ساقوا) ألحفوا، وإن عذلوا كشفوا، وإن حكموا أسرفوا.
قد أعدّوا لكلّ حقّ باطلاً، ولكلّ قائم مائلاً، ولكلّ حيّ‏ٍ قاتلاً، ولكلّ باب مفتاحاً، ولكلّ ليل مصباحاً، يتوصّلون إلى الطمع باليأس ليقيموا به أسواقهم، وينفقوا به أعلاقهم، يقولون فيشبّهون، ويصفون فيموّهون، قد هوّنوا الطريق (الدين)، وأضلعوا المضيق، فهم لُمَة الشيطان، وحُمة النيران:
﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ(سورة المجادلة:19)"21.
 

*من وصايا العترة عليهم السلام ، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، ربيع اول1424هـ ،ص49-60.


1- بحار الأنوار، ج‏69، ص‏177.
2- ميزان الحكمة، حديث: 20551.
3- م.ن. حديث: 20552.
4- م.ن. حديث: 20550.
5- م.ن. حديث: 20554.
6- م.ن. حديث: 20559.
7- م.ن. حديث: 20557.
8- راجع ميزان الحكمة، ص‏3339.
9- الاختصاص، ص‏228.
10- تحف العقول، ص‏212.
11- الترغيب والترهيب، ج‏1، ص‏127.
12- ميزان الحكمة، حديث: 20595.
13- الكافي، ج‏2، ص‏343.
14- ميزان الحكمة، حديث: 20609.
15- م.ن. حديث: 20605.
16- البحار، ج‏75، ص‏203.
17- أمالي الصوق، ص‏277.
18- م.ن.
19- الكافي، ج‏2، ص‏492.
20- م.ن. ص‏493.
21- نهج البلاغة: الخطبة 194.
2009-08-14