يتم التحميل...

سقوط سقيفة الحائر سنة 273 هـ

مرقد الإمام الحسين(ع)

لم تمض عمارة الحائر الحسيني على يد المنتصر بالله أكثر من 26 سنة، حتى سقط سنة 263 ه‍ في عهد المعتمد بالله العباسي، ولم يعرف أسباب سقوط السقيفة،

عدد الزوار: 33

لم تمض عمارة الحائر الحسيني على يد المنتصر بالله أكثر من 26 سنة، حتى سقط سنة 263 ه‍ في عهد المعتمد بالله العباسي، ولم يعرف أسباب سقوط السقيفة، هل كان خللا في البناء الذي مضى على بنائه فترة أكثر من ربع قرن، أو كان للسلطات الحاكمة يد في انهيار سقيفة الحائر؟بعض الباحثين يرى أن للسلطة العباسية يد في سبب سقوط السقيفة وانهيارها في ذي الحجة من سنة 273 ه‍، ونعتقد أن الحادث كان طبيعيا ولم يكن عملا تخريبيا من السلطة أو غيرها، حيث كانت الدولة في ذلك الوقت لا تملك القدرة الكافية التي يمكنها أن تهد بناء كاملا في لحظة واحدة.

كما أن التاريخ لم يحدثنا عن ضلوع السلطة الحاكمة في انهيار السقيفة، كما حدثنا في المرات السابقة في التعرض للقبر وانتهاك حرمته الشريفة في عهد المنصور والرشيد والمتوكل.

أما عند تحليل الوضع السياسي للخلافة العباسية في تلك الفترة الحرجة من عمرها، نجدها تتسم بالفوضى وعدم الاستقرار، حيث كانت ثورة الزنج التي أشعل فتيلها في البصرة في سنة 255 ه‍، والتي هددت مستقبل الخلافة العباسية، وقد استطاع صاحب الزنج أن يبسط نفوذه على البصرة والأهواز وعبادان وميسان ورامهرمز والبطائح وواسط، حتى صار قريبا من مقر الخلافة العباسية، وقد كلفت الدولة العباسية أموالا طائلة في الأرواح والممتلكات، ولم يستطيعوا القضاء عليه إلا في سنة 270 ه‍ بقيادة الموفق، هذا من جهة، أما من جهة الخلفاء أنفسهم فقد كانوا ألعوبة بيد الأتراك، يعبثون ويفسدون في مقدرات الخلافة، وأصبحوا أصحاب الأمر والنهي، حتى سادت الفوضى، وعمت الاضطرابات، وصار الخليفة لا يأمن حتى على حياته، فمتى أرادوا التخلص منه يقتلونه بسهولة ويسر، كما فعلوا بالمستعين والمعتز والمهتدي، وربما يعاقب الخليفة قبل قتله كما فعلوا بالمعتز، حيث عوقب بوضعه في الشمس فوق الرمل يرفع رجله ويضعها من شدة حرارة الرمل، وهم يضربونه بالدبابيس.

من هذه الحادثة يعرف إلى أية مرحلة من مراحل الذل والانحطاط وصلت إليه الخلافة العباسية، فلم تتح الفرصة للخلفاء بالتعرض للقبر الشريف.

أما وقت سقوط سقيفة الحائر فكان في عهد المعتمد الذي بويع له بالخلافة سنة 256 ه‍، والذي كان منهمكا على اللهو واللذات، فاشتغل عن الرعية فكرهته الناس، وفي آخر أيامه مات أخيه الموفق ثم اختلفت عليه الرعية فقتلوه، وقيل سم، وقيل رمي في حلقه رصاص مذاب، وقيل حفر له حفرة وجعل عليها ريش فمشى فسقط في الحفرة، فمات سنة 279 ه‍.

فكان رجل الدولة الموفق وابنه المعتضد الذي تولى عرش الخلافة بعد المعتمد، وكان المعتضد يتشيع كما نفهم من رواية ابن أبي الحديد، عن العلاء بن صاعد بن مخلد، حيث قال:" لما حمل رأس صاحب الزنج ودخل به المعتضد إلى بغداد (270 ه‍)، دخل في جيش لم ير مثله، واشتق أسواق بغداد والرأس بين يديه، فلما صرنا بباب الطاق، صاح قوم من درب تلك الدروب: رحم الله معاوية وزاد! حتى علت أصوات العامة بذلك، فتغير وجه المعتضد، وقال: ألا تسمع يا أبا عيسى ما أعجب هذا! وما الذي اقتضى ذكر معاوية في هذا الوقت! والله لقد بلغ أبي إلى الموت، وما أفلت أنا إلا بعد مشارفته، ولقينا كل جهد وبلاء، حتى نجينا هؤلاء الكلاب من عدوهم وحصنا حرمهم وأولادهم، فتركوا أن يترحموا على العباس وعبد الله وابنه ومن ولد الخلفاء، وتركوا الترحم على علي بن أبي طالب، وحمزة والحسن والحسين، والله لا برحت أو أوثر في تأديب هؤلاء أثرا لا يعادوه بعد هذا الفعل مثله، ثم أمر بجمع النفاطين ليحرق الناحية، فقلت له: أيها الأمير، أطال الله بقاءك، إن هذا اليوم من أشرف أيام الإسلام، فلا تفسده بجهل عامة لأخلاق لهم، ولم أزل أداريه وأرفق به حتى سار".

يظهر من هذه الرواية أن حب أهل البيت عليهم السلام صار يجد له مكانا في قلوب البعض من بني العباس، كما يؤيد ذلك ابن طاووس في روايته عن أبي الحسين علي بن الحسين بن الحجاج قال: كنا جلوسا في مجلس ابن عمي أبي عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج، وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ، وفيمن حضر العباس بن أحمد العباسي، وكانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنؤونه بالسلامة، لأنه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام في ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين ومائتين، فبيناهم قعود يتحدثون إذ حضر المجلس إسماعيل بن عيسى العباسي، فلما نظرت الجماعة إليه، أحجمت عما كانت فيه، وأطال إسماعيل الجلوس، فلما نظر إليهم قال: يا أصحابنا أعزكم الله لعلي قطعت عنكم حديثكم بمجيئي!

قال أبو الحسن علي بن يحيى (وكان شيخ الجماعة ومقدما فيهم): لا والله يا أبا عبد الله (أعزك الله) أمسكنا بحال من الأحوال، فقال لهم: "يا أصحابنا اعلموا أن الله عز وجل سائلي عما أقول لكم وما أعتقده من المذهب، حتى حلف بعتق جواريه ومماليكه وحبس دوابه، أنه ما يعتقد إلا ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والسادة الأئمة عليهم السلام، وعدهم واحدا واحدا، وساق الحديث، فانبسط إليه أصحابنا".

يستدل من رواية ابن طاووس أن المجلس كان يضم رجالا من الشيعة لتهنئة محمد بن عمران الحجاج بسلامته على أثر سقوط السقيفة سنة 273 ه‍، وكان في المجلس العباس بن أحمد العباسي الذي كان يتشيع، وعند دخول إسماعيل بن عيسى العباسي أحجموا عن الكلام، حتى صرح لهم بانتمائه إلى مذهب أهل البيت، وموالاة علي بن أبي طالب عليه السلام1.


1-مرقد الامام الحسين عليه السلام تحسين آل شبيب.

2012-11-15