ذكر الموت
العلاقة مع الله
أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ، وَلاَ يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا، وَتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللهُ عَنْهَا، وَنَعَتْ لَكَ نَفْسَهَا، وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا.
عدد الزوار: 126
"أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ، وَلاَ يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا، وَتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللهُ عَنْهَا، وَنَعَتْ لَكَ نَفْسَهَا، وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا".
أثر ذكر الموت
الموت هذه الحقيقة التي إليها يكون مصير كل إنسان، وهو في الحقيقة انتقال من دار البلاء والامتحان إلى دار الأجر والجزاء، فمن أحسن عملاً أحب وقت الجزاء، ومن أساء العمل خاف من ذلك اليوم، وقد ورد في الرواية عن لإمام الباقر عليه السلام: "لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال: حتى يكون الموت أحب إليه من الحياة"1.
ولا شك أن لذكر الموت أثراً على روحية الإنسان ومسلكيته في هذه الدنيا، والناس بالنسبة لذكر الموت قسمان:
القسم الأول: هم الأشخاص الغافلون عن الآخرة، والذين تشكل أيامهم المعدودة في هذه الحياة الدنيا كل همّهم، وتتلخص أهدافهم بمتطلبات هذه الأيام المعدودة، وهذا النوع من الناس يشكل الموت بالنسبة إليهم نهاية كل شيء، نهاية الأمل ونهاية الهدف ونهاية الوجود، وبالتالي فمن المنطقي أن يكون ذكر الموت بالنسبة لهم يبعث على اليأس والإحباط، لذلك تجدهم كثيراً ما يتجنبون ذكر الموت وينزعجون من التلفظ باسمه.
والقسم الثاني: هم عرفوا الله تعالى وعرفوا أن هناك يوم حساب ويوم جزاء، وبالتالي فالدنيا بالنسبة لهم ليست إلا قنطرة وجسراً يعبرونه للوصول إلى تلك الحياة الحقيقية والأساسية فهدفهم الحقيقي لا يتوقف عند هذه الأيام والأنفاس المعدودة، وطموحاتهم لا تنحصر بمتطلبات هذه الأيام المحدودة، فهم وإن لم ينسوا نصيبهم من الدنيا إلا أن هدفهم الأساسي هو الآخرة، يبنون لها ويمهدون لأنفسهم للوصول إلى تلك المرحلة على أفضل حال، وهذا النوع من الناس سيكون ذكر الموت بالنسبة لهم له فوائد متعددة، فهو:
أ- باعث على الجد والنشاط للاستفادة من فرصة هذه الدنيا على أكمل وجه للتأسيس للآخرة، فلحظات هذه الفرصة محدودة.
ب- يرسّخ الهدف الحقيقي المتمثل بالآخرة أكثر في النفوس، ويجعل هذا الهدف حاضراً بشكل أكبر وآكد. وبالتالي يصوّب مسيرة الإنسان بالاتجاه الصحيح.
ج- يساعد الإنسان للسيطرة على ميوله النفسية وشهواته، فيهذّبها ويجعلها ضمن الإطار الإيجابي والصحيح.
وقد ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثروا ذكر الموت، فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم"2.
الحذر من الموت
"حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك".
إن مشكلة الإنسان في هذه الدنيا تتمثل في الحجب التي تتالى على قلبه فتمنعه من ذكر الله عز وجل، وتكون هذه الحجب سبباً في ابتعاده عن الله، وذكر الموت هو أحد الأسباب التي تشكل عاملاً مساعداً على إزالة هذه الحجب، ففي رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء قيل: وما جلاؤها؟ قال: كثرة ذكر الموت، وتلاوة القرآن"3.
وأما كيف يؤدي ذكر الموت دوره في رفع هذه الحجب؟ فهو من جهة شعور الإنسان بأن مصير كل ما يعيشه الإنسان في هذه الدنيا إلى الزوال لا البقاء. وقد ورد في الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "إن الموت هادم لذاتكم، ومكدر شهواتكم، ومباعد طياتكم، زائر غير محبوب، وقرن غير مغلوب، وواتر غير مطلوب، قد أعلقتكم حبائله... فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، واحتدام علله"4.
وهذا الموت الذي يتيقن كل إنسان في هذه الدنيا أنه سوف يأتيه في يوم من الأيام، تجد الإنسان يتعامل معه معاملة الشيء المشكوك وهذا ما نبّه عليه الإمام علي عليه السلام في رواية قال: "ما رأيت إيماناً مع يقين أشبه منه بشك على هذا الإنسان، إنه كل يوم يودع إلى القبور، ويشيع، وإلى غرور الدنيا يرجع، وعن الشهوة والذنوب لا يقلع، فلو لم يكن لابن آدم المسكين ذنب يتوكفه ولا حساب يقف عليه إلا موت يبدد شمله ويفرق جمعه ويوتم ولده، لكان ينبغي له أن يحاذر ما هو فيه بأشد النصب والتعب"5.
وهل لإنسان أن يطمع بالخلود في هذه الدنيا، قد تجد من الناس من يحب ذلك ويرغب به ولكن الناس كافة تؤمن يقيناً بأنه لا سبيل إلى ذلك وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "لو أن أحداً يجد إلى البقاء سلماً أو لدفع الموت سبيلاً لكان ذلك سليمان بن داود عليه السلام، الذي سخر له ملك الجن والإنس مع النبوة، وعظيم الزلفة، فلما استوفى طعمته واستكمل مدته رمته قسي الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة، وورثها قوم آخرون"6.
الاستعداد لتلك الرحلة
"وشددت له أزرك".
إن كل من يقدم على سفر من الأسفار يتجهز لهذا السفر بما يحتاج إليه، ومنها أن يكون له من القدرة والقوة ما يمكنه من طي هذا السفر بنحو يصل إلى مقصوده، وهكذا حال الإنسان في هذه الدنيا، فإنه لا بد له وأن يتجهز في هذه الدنيا بما يعينه على الآخرة.
وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "احذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدوا له عدته، فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل، بخير لا يكون معه شر أبداً، أو شر لا يكون معه خير أبداً، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها ! ومن أقرب إلى النار من عاملها"7.
"ولا يأتيك بغتة فيبهرك".
ورد في الروايات ذكر صورة الموت للمؤمن وصورة الموت للكافر، وإنما تحصل البغتة للكافر، قال تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾(الأنعام:31).
صورة موت المؤمن
تتلخص صورة موت المؤمن بما يلي:
أ- ملك الموت: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى، فيقوم وأصحابه لا يدنو ن منه حتى يبدأه بالتسليم ويبشره بالجنة"8.
ب- خروج الروح: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أشد شيعتنا لنا حباً يكون خروج نفسه كشرب أحدكم في يوم الصيف الماء البارد الذي ينتفع به القلوب، وإن سائرهم ليموت كما يغبط أحدكم على فراشه كأقر ما كانت عينه بموته"9.
ج- البشارة: أول ما يبشر به المؤمن روح وريحان وجنة نعيم، وأول ما يبشر به المؤمن أن يقال له: أبشر ولي الله برضاه والجنة! قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن شيعك، واستجاب لمن استغفر لك، وقبل من شهد لك10.
صورة موت أهل النار
تتلخص صورة موته بما يلي:
أ- ملك الموت: قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾(الانفال:50) والمراد من الآية أن نزع الملائكة لروح الكافر يترافق مع ضربه من أمام ومن خلف. عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إذا أراد الله قبض روح الكافر قال: يا ملك الموت انطلق أنت وأعوانك إلى عدوي، فإني قد ابتليته فأحسنت البلاء، ودعوته إلى دار السلام فأبى إلا أن يشتمني، وكفر بي وبنعمتي، وشتمني على عرشي فاقبض روحه حتى تكبه في النار، قال: فيجيئه ملك الموت بوجه كريه كالح، عيناه كالبرق الخاطف، صوته كالرعد القاصف، لونه كقطع الليل المظلم، نفسه كلهب النار رأسه في السماء الدنيا ورجل في المشرق ورجل في المغرب، وقدماه في الهواء معه سفود كثير الشعب، معه خمسمائة ملك معهم سياط من قلب جهنم، تلتهب تلك السياط وهي من لهب جهنم، ومعهم مسح أسود وجمرة من جمر جهنم، ثم يدخل عليه ملك من خزان جهنم يقال له: سحقطائيل فيسقيه شربة من النار، لا يزال منها عطشاناً حتى يدخل النار، فإذا نظر إلى ملك الموت شخص بصره وطار عقله، قال: يا ملك الموت ارجعون، قال: فيقول ملك الموت: "كلا إنها كلمة هو قائلها"11.
ب- خروج الروح: وقد ورد في الرواية وصف ذلك عن أبي جعفر الصادق عليه السلام قال: "فيجيئه (الكافر) ملك الموت بوجه كريه كالح، عيناه كالبرق الخاطف، صوته كالرعد القاصف، لونه كقطع الليل المظلم، نفسه كلهب النار رأسه في السماء الدنيا ورجل في المشرق ورجل في المغرب، وقدماه في الهواء"12.
ج- المصير السيئ: يقول تعالى ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾(الأنعام:93).
*وصايا الأمير، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، تشرين الثاني 2008م ، ص85-93.
2- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 4 ص 2965.
3- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 3 ص 2616.
4- نهج البلاغة: الخطبة 230.
5- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 4 ص 2957.
6- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 4 ص 2957.
7- نهج البلاغة: الكتاب: 27.
8- الصدوق"381ه." من لا يحضره الفقيه جامعة المدرسين الطبعة الثانية 1404 هـ.: 1/135.
9- المجلسي محمد باقر المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 6/162.
10- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 4 ص 2961.
11- المفيد محمد بن محمد بن النعمان الاختصاص دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان ص 359.
12- المفيد محمد بن محمد بن النعمان الاختصاص دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان ص 359. 2009-08-13