يتم التحميل...

الله رؤوف بالعباد فادعوه

العلاقة مع الله

قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالْإِِجَابَةِ، أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الْإِنَابَة...

عدد الزوار: 109

قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالْإِِجَابَةِ، أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الْإِنَابَةِ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ.

تمهيد

من الأسماء الإلهية الحسنى التي تكرر وصف الله عز وجل بها هي صفة الرأفة والرحمة، كيف وقد قرن الله عز وجل اسمه بصفة الرحمن الرحيم في البسملة، وفي ابتداء كل سورة من سور القرآن الكريم.

ومظاهر الرحمة الإلهية ترافق هذا الإنسان منذ خلقته وإلى يوم القيامة، وهذه هي الرحمة التكوينية، والتي ترتبط بالنحو الذي خلقه الله عز وجل عليه، وبما وهبه من النعم المادية التي يتمكن من خلالها من الاستمرار في هذه الحياة والسير في الأرض.

ولكن الرحمة الإلهية لا تقتصر على ذلك، بل فتح باب الرحمة الخاصة، والتي ترتبط بالآخرة وما يقع فيه هذا الإنسان من تجاوز او معصية للأوامر الإلهية. وهنا يذكر الإمام علي عليه السلام في وصيته لولده الحسن بعد مظاهر هذه الرحمة الخاصة.

أذن لك في الدعاء وتكفل لك بالإجابة

أبواب الله عز وجل مفتوحة للسائلين، يطلبون منه حوائج الدنيا والآخرة، وأما الإجابة فهي مضمونة لهم من الله عز وجل، وهذا ما ورد في القرآن الكريم فقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ(غافر:60).

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يدخل الجنة رجلان كانا يعملان عملا واحدا، فيرى أحدهما صاحبه فوقه، فيقول: يا رب بما أعطيته وكان عملنا واحدا؟ فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني"1.

أمرك أن تسأله ليعطيك

الإمام الصادق عليه السلام: "ادع ولا تقل: إن الأمر قد فرغ منه، إن عند الله عز وجل منزلة لا تنال إلا بمسألة"2.

إذا الكثير من النعم الإلهية، أو البلاءات لا ترتفع إلا من خلال الدعاء.

وعن الإمام علي عليه السلام: "اعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفل لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه... ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه"3.

وتسترحمه ليرحمك.

الإنسان معرّض في هذه الحياة للإصابة بأنواع الابتلاءات، ومن هذه الابتلاءات ما لا يمكن للإنسان أن يدفعه عن نفسه من خلال التمسك بوسائل دنيوية ومادية، ولا يجد من سبيل للخلاص منه إلا من خلال الرجوع إلى الله عز وجل.

ورد في الرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام: "عليكم بالدعاء، فإن الدعاء لله، والطلب إلى الله يرد البلاء وقد قدر وقضي ولم يبق إلا إمضاؤه، فإذا دعي الله عز وجل وسئل صرف البلاء صرفة"4.

الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه: "هل تعرفون طول البلاء من قصره؟ قلنا: لا، قال: إذا الهم أحدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا أن البلاء قصير"5.

وهذا الأمر لا يختص بالبلاء إذا نزل بل هو يشمل البلاء الذي لم ينزل على العبد بعد، ولذا ورد في الرواية: عن الإمام علي عليه السلام: "ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء، ما المبتلى الذي استدر به البلاء بأحوج إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء"6.

ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك.
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(البقرة:186).

إن شرط إجابة الدعاء هو التوجه الخالص لله عز وجل، وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال اليأس عن أي سبب من الأسباب الدنيوية. وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه"7.

ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه.

وقد ورد في كلام للإمام عليه السلام في نهج البلاغة قوله: "فاستفتحوه واستنجحوه، واطلبوا إليه واستمنحوه، فما قطعكم عنه حجاب، ولا أغلق عنكم دونه باب. وإنه لبكل مكان، وفى كل حين وأوان، ومع كل إنس وجان، لا يثلمه العطاء، ولا ينقصه الحباء، ولا يستنفده سائل، ولا يستقصيه نائل".

فالشفاعة والواسطة إنما يحتاج إليها الإنسان إذا كان لا طريق له للإتصال المباشر بمن يريد ان يرفع حاجته إليه، وأما بالنسبة إلى علاقة الإنسان بربّه فإنها علاقة مفتوحة ومباشرة. فلا باب ولا حاجب بين الإنسان وربه.

ولم يمنعك إن أسأت من التوبة.

باب فتحه الله عز وجل لعباده، ومظهر من مظاهر رحمة الله ورأفته، فلا يعني إذا زلت قدم العبد ان ييأس من الرجوع إلى الله عز وجل بل ورد في الروايات الحث الشديد على التوبة فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها"8.

ولم يعاجلك بالنقمة.
من مظاهر الرحمة الإلهية إمهال الله عز وجل خلقه وعدم التعجيل بعقابهم. وكما ورد في الآية الكريمة: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً(فاطر:45).

وفي الحديث: "إن الله يمهل ولا يهمل"9.

ولم يمهل الله عز وجل عباده لعجز والعياذ بالله بل هو الجبار المنتقم، ولكن رحمة منه بهم ليفتح لهم باب الرجوع إليه.

ولم يعيرك بالإنابة.

ورد في العديد من الروايات الحث على التوبة، وقد عبّرت الروايات عن التائبين بعبارات المدح والثناء لا التعيير او الوقيعة فيهم، ففي رواية عن لإمام علي عليه السلام في وصف التائبين: "غرسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم وقلوبهم وسقوها بمياه الندم، فأثمرت لهم السلامة، وأعقبتهم الرضا والكرامة".

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"10.

ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى.

الإنسان المذنب الذي يتجاوز عما فرضه الله حق، على الله عز وجل ان يفضحه ويستحق ذلك، ولكن الله عز وجل يستر عليه ذلك، وفي الرواية عن لإمام الصادق عليه السلام وقد سمعه معاوية بن وهب يقول: "إذا تاب العبد المؤمن توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة. قلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب... فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب"11.

وعن الإمام علي عليه السلام: "من تاب تاب الله عليه، وأمرت جوارحه أن تستر عليه، وبقاع الأرض أن تكتم عليه، وانسيت الحفظة ما كانت تكتب عليه".

ولم يشدد عليك في قبول الإنابة.

ورد في الرواية عن لإمام الباقر عليه السلام: "لا والله ما أراد الله تعالى من الناس إلا خصلتين: أن يقروا له بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم".

بهذا تنال المغفرة، ولكن شرط ان لا يعود إلى ارتكاب الذنب.

ولم يناقشك بالجريمة.

إن من أصعب مواقف الذل التي قد يقع فيها الإنسان، هو أن يقف في موقف ذلّ الحساب، ولعله يكون أصعب من العقاب، وهذا ما يمكن للإنسان التخلص منه من خلال التوبة، فإذا عفا الإنسان عن المسيء له فإنه لن يمانع من توجيه اللوم له او العتاب، ولكن الله عز وجل إذا عفى عن الذنب عفا عن اللوم والعتاب أيضاً. وقد ورد في دعاء الإمام زين العابدين طلب الرحمة في هذا الموقف: "ارحم في هذه الدنيا غربتي وعند الموت كربتي وفي القبر وحدتي وفي اللحد وحشتي وإذا نشرت للحساب بين يديك ذلّ موقفي".

*وصايا الأمير، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، تشرين الثاني 2008م ، ص75-83.


1- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 2 ص 868.
2- الكليني، الكليني الكافي دار الكتب الإسلامية، آخوندي الطبعة الثالثة ابن بابويه علي فقه الرضا مؤسسة أهل البيت: 2/466.
3- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى  ج 2 ص 868.
4- الكليني، الكليني الكافي دار الكتب الإسلامية، آخوندي الطبعة الثالثة  ابن بابويه علي فقه الرضا مؤسسة أهل البيت: 2/469.
5- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى  ج 2 ص 870.
6- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى  ج 2 ص 871.
7- الكليني الكافي دار الكتب الإسلامية، آخوندي الطبعة الثالثة ابن بابويه علي فقه الرضا مؤسسة أهل البيت: 2/148.
8- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 1 ص 338.
9- علي خان المدني الشيرازي رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام مؤسسة النشر الإسلامي ج 3 ص 120.
10- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 1 ص 338.
11- المجلسي محمد باقر المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 6/28.
2009-08-13