يتم التحميل...

فتنة الاختلاط والخضوع في القول

مشكلات إجتماعية

لقد أكّدت الشريعة الإسلامية على اجتناب الاختلاط لما ينتج عنه من عواقب وخيمة تعود على الأفراد والمجتمع والأسرة بالمصائب والويلات..

عدد الزوار: 19

لقد أكّدت الشريعة الإسلامية على اجتناب الاختلاط لما ينتج عنه من عواقب وخيمة تعود على الأفراد والمجتمع والأسرة بالمصائب والويلات..
 
فإذا أردنا لهذا المجتمع أن يكون نظيفاً طاهراً عفيفاً معافىً سالماً من الآفّات فالخطوة الأولى هي: منع الاختلاط إلا ضمن قيود وضوابط تمنع من الفساد.
 
وهناك أماكن يكثر فيها الاختلاط كالأسواق، وقد ورد في ذمّ السوق، عن أمير المؤمنين عليه السلام - من كتاب له إلى الحارث الهمداني -: "إيّاك ومقاعد الأسواق فإنّها محاضر الشيطان ومعاريض الفتن"([1]).
 
والاختلاط يقع من بعض بسبب العادات أو التقاليد أو البعد عن الدين، أو ما يسمّى باسم الحضارة، فكلّ ذلك لا يبرّر هذا الأمر بل اللازم هو الخضوع لأحكام الدين الّتي لا تأمر إلّا بما فيه مصالح العباد ولا تنهى إلّا عمّا فيه الفساد.
 
الخضوع في القول فتنة
فالمرأة منهيّة في كتاب ربّها عن الخضوع في القول، لأنّه يوجد من في قلبه مرض ويطمع بالنيل منها، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾([2]).
 
فنهاهنّ عن الخضوع بالقول وذلك باعتماد الأسلوب الليّن الرقيق في المخاطبة للآخر بحيث تستثار نوازع القلوب المريضة بالدنس والفجور، ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفً﴾ مستقيماً مشعراً بالحشمة والترفّع والوقار.
 
فبعض النساء تتدلّل في كلامها وتتغنّج في صوتها وهذا لا يجوز شرعا، أو أنّها تزيد في الكلام من غير حاجة وهذا ممّا يوقع في المحذور.
 
نموذج قرآنيّ
يذكر المولى جلّ وعلا في القرآن الكريم قصّة ابنتي نبيّ الله شعيب عليه السلام وتظهر هذه القصّة أدب الكلام، وكيفيّة تصرّف المرأة المؤمنة مع الرجل الأجنبيّ، يقول الله عزّ وجلّ في خبر كليمه موسى عليه السلام: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾([3]).
 
فقد وجد النبيّ موسى عليه السلام امرأتين تدفعان الغنم عن الماء، لا تزاحمان الرجال ولا تخالطانهم، فسألهما: ما خطبكما؟، قالتا: لا نزاحم هؤلاء الرعاة، ولا نخالطهم في سقي الماء، بل نصبر فإذا انصرفوا من عند ذلك الماء، جئنا نحن فسقينا، وقد دفعتنا الحاجة لهذا العمل -وهو الرعي- لأنّ أبانا شيخ كبير عاجز عن نفقتنا ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾.
 
ثمّ قال سبحانه: ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء﴾، تمشي مشية فيها حياء، لا فيها تبذُّل، ولا إغواء، وإنّما مشية الحياء والعفّة.
 
﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾، في أقصر لفظ وأوضحه وجّهت الدعوة إلى النبيّ موسى عليه السلام، ما أكثرت من الكلام ولا أطالت في الحديث وإنّما لفظ مختصر لكنّه واضح لا يُغري أو يُطمع.
 
وبهذا نموذج قرآنيّ لكلّ فتاة تبحث عن أسوة وقدوة لها في حياتها، فأين هي عن هذا النموذج وعن بنات الأنبياء عليهم السلام، سيّما مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها الّتي جاء في الخبر أنّها كانت تقول: "خير النساء أن لا يرين الرجال ولا يراهنّ الرجال"، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّها منّي"([4]) وبهذا الثناء من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الكلمات يؤكّد صلى الله عليه وآله وسلم أنّها بضعة منه وكلامها كأنّما يخرج عنه.
 
طبعا نحن لا نقول بلزوم أن تجلس المرأة في البيت- وإن كان محبّذاً- فليس هذا هو المقصود بل المقصود أن تكون في معاملاتها مع الرجال، سيّما الأجانب منهم، على أشدّ الحيطة والحذر من الوقوع في مهالك الفتنة الّتي تعمل على الغرائز الحيوانيّة في الإنسان فتورده الهلكة، فلا تخرج المرأة من بيتها إلّا لهدف مهمّ وذي فائدة لا كما نرى في الطرقات هذه الأيّام من مناظر مخزية تمهّد لبلاء إلهيّ يعمّ الجميع. وإذا تكلّمت مع أجنبيّ فلتتكلّم بما يلزم ولا تطل الكلام ولا تظهر الغنج والدلال وإلّا فإنّها ستكون من الملعونين في الدنيا والآخرة ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾([5]).
  
... قد جآءتكم موعظة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) نهج البلاغة، الكتاب 69.
([2]) سورة الأحزاب، الآية: 32.
([3]) سورة القصص، الآية: 23.
([4]) مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص233.
([5]) سورة الشعراء: 88 – 89.

2023-03-15