يتم التحميل...

أشراط الساعة

يوم القيامة

الشَّرَط بالتحريـك: العلامة، والجمع أشراط، وأ شراط الساعة: أعلامها.والمراد من أشراط الساعة العلامات والآيات التي تخبرعن دنو القيامة، وقربها، وهي مأخوذة من الذكر الحكيم، قال سبحانه: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا.وهذه العلامات بعضها مذكور في الكتاب العزيز، وبعضها مذكور في السنّة فنبحث عن كلا القسمين على وجه الإجمال.

عدد الزوار: 22
الشَّرَط "بالتحريـك": العلامة، والجمع أشراط، وأ شراط الساعة: أعلامها1.

والمراد من أشراط الساعة العلامات والآيات التي تخبرعن دنو القيامة، وقربها، وهي مأخوذة من الذكر الحكيم، قال سبحانه: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا(محمد:18).

وهذه العلامات بعضها مذكور في الكتاب العزيز، وبعضها مذكور في السنّة فنبحث عن كلا القسمين على وجه الإجمال.

وأمّا مشاهد القيامة، فهي الحوادث الهائلة الّتي تقع في نفس قيام الساعة، التّي وردت في سور التكوير والانفطار والانشقاق وغيرها، كتكوير الشمس وانكدار النجوم وانفطارالسماء وانتثار الكواكب، وتسجير البحار وتفجيرها، وغير ذلك. فالكل من مشاهد القيامة ، وإليك الكلام في أشراط الساعة الواردة في الكتاب.

أشـراط الساعة في الكتاب
جاء في الذكر الحكيم أُمور يستظهر منها أنّها من أشراط الساعة، والآيات الواردة في هذا المجال بين واضحة الدلالة وغيرها.

أ- بعثة النبي الأكرم
يقول سبحانه: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ(محمد:18).

إنّ هذه الآية تندد بالمشركين بأنّهم لا يؤمنون، ولا ينتظرون شيئاً إلاّ القيامة أن تأتيهم فجأة حتى يؤمنوا، ولكن لا يفيدهم عندها إيمانهم، ومن أين لهم التذكّر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة بغتة. ومع ذلك كله فليعلموا أنّ السّاعة، وإن لم تأتهم، ولكن قد جاءتهم أشراطها وعلاماتها، فعليهم أن يتّعظوا بذلك.

والآية غيرمتضمنة لتعيين ماجاء من الأشراط، لكن قال ابن عباس: "والنبي من أشراطها، ولقد قال بعثت أنا والساعة كهاتين"2.

وكون بعثة النبي من معالم الساعة، لا ينافي وجود هذه الفترة الطويلة بينه وبين القيامة، وذلك لأنّ مامضى من عمرالأرض والمجتمع الإنساني أزيد بكثير مما بقي منه، فيصحّ جعل ظهوره من معالم الساعة.

ويحتمل أن يكون المراد من أشراط الساعة التي جاءتهم إنشقاق القمر بيده، ونزول القرآن الذي هو آخر الكتب3.

ب- اندكاك السدّ وخروج يأجوج ومأجوج
جاء في الذكر الحكيم أنّ ذا القرنين وصل في مسيره إلى قوم طلبوا منه أن يبني لهم سدّاً يحجز عنهم يأجوج ومأجوج ويقيهم شرهما فقام ذو القرنين بعملية كبيرة، حيث سدّ ما بين الجبلين "الّذي كان طريق نفوذهما" بزبر الحديد ثم أنجز عملية بناء السدّ بما يحكيه تعالى من قوله: ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُوني أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا(الكهف:96).

فلما فرغ من بناء السدّ قال: ﴿هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ فِي بَعْض وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً(الكهف:98-99).

وقوله: (تَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ فِي بَعْض). يعرب عن كون اندكاك السَّدِّ من أشراط الساعة4. والمراد أنّه بعد انقضاء أمر السّدّ يموج بعض الناس في بعض، فيرتفع من بينهم النّظم، ويحكم فيهم الهرج والمرج، ويظهر هذا أيضاً من آية أُخرى، أعني قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَب يَنْسِلُونَ * وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ(الأنبياء:96-97).

فمفادها أنّه عندما ينفرج سدّ يأجوج ومأجوج، يتفرق المحجوزون خلف السدّ، في الأرض، فلا ترى أكمةً إلاّ وقوم منهم يهبطون منها، وعند ذلك يقترب الوعد الحق، أي قيام الساعة. فيكون اندكاك السدّ وانتشار يأجوج ومأجوج في الأرض من أشراط الساعة، لحكايته عن اقتراب الوعد الحقّ، وهذا هو المراد من أشراط الساعة.

ج- إتيان السماء بدخان مبين
إنّ الصناعات البشرية أوجدت قلقاً في الحياة، ولوثت البيئة في الأرض بالأدخنة المتصاعدة من معاملها، والإبخرة المتطايرة من موادها. ولكنها إلى اليوم ليست إلى الحدّ الّذي يزاحم الحياة، والله يعلم مآل الأُمور.

ولكنه تعالى يخبر عن حدوث دخان في السماء، يغشى الناس، ويكون عذاباً أليماً لهم، يقول تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَان مُبِين * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ(الدخان:10-16).

إنّ في تفسير الآية وجهين
الوجه الأوّل: إن مجموع هذه الآيات راجعة إلى عصر النبي، وذلك أنّ رسول الله دعا على قومه لمّا كذّبوه، فقال: اللّهم سنينَ كسني يوسف، فأجدبت الأرض وأصابت قريشاً المجاعة، وكان الرجل لما به من الجوع، يرى بينه وبين السماء كالدخان، فجاءوا إلى النبي وقالوا: يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم وقومك قد هلكوا. فسأل الله تعالى لهم بالخصب والسعة، فكشف عنهم، ثم عادوا إلى الكفر5.

يلاحظ على هذا الوجه: أوّلا: إنّ ظاهر الآية أنّ السماء تأتي بدخان مبين، وتحدثه، وهو غير تجلّي السماء بصورة الد خان في عين الجائع، الذي هو انخداع الحواس لغلبة الجوع، من دون أن يكون هناك دخان في الواقع.

وثانياً: إنّ أصحاب السّير النبوية لم يذكروا شيئاً عن هذا الجوع المدقع الّذي أحدق بقريش وأوجد فيهم سنين كسنّي يوسف.

وثالثاً: إنّ ماجاء في القصة، لا يناسب خلق النبىّ وعطفه على قومه، وكونه رحمة للعالمين، كيف وقد قال سبحانه ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(الأنفال:33) وهو صلوات الله عليه وآله، لم يدع عليهم في غزوة أُحد، مع أنّهم شجّوا جبهته وكسروا أسنانه، وضرّجوا وجهه بالدماء.

فهذه الأُمور، توجب عدم الإطمئنان إلى هذا الوجه.

الوجه الثاني: إنّ مفاد الآية يرجع إلى أشراط الساعة، وأنه قبل قيام البعث يغشى الناس دخان مبين. ويؤيّد ذلك أنّ الآية تتضمن ذكر يومين:

1- يومٌ تأتي السماء فيه بدخان مبين .
2- ويوم يبطش فيه الرب تعالى البطشة الكبرى.


وبما أنّ البطشة الكبرى راجعة إلى يوم البعث الّذي يأخذ فيه الله تعالى الظالمين والكافرين بشدة وقدرة، يكون ذلك قرينة على أنّ ما يقع في اليوم الأول، من أشراط الساعة، فيومٌ تظهر فيه آية الساعة وعلامتها، ويوم تتحقق فيه نفس الساعة.

وأما على التفسير الأوّل، فلا مناص، من جعل اليوم الأوّل يوم طروء الجوع في مكة، واليوم الثاني غلبة النبي على قريش في بدر، ولا يخفى أن تفسير اليومين بهذا النحو يحتاج إلى دليل.

ويؤيّد المعنى الثاني ماروي عن حذيفة بن اليمان، مرفوعاً: أوّل الآيات الدّجال ونزول عيسى، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر. تُقيل معهم اذا قالوا، والدّخان. قال حذيفة: يارسول الله، وما الدّخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله الآية: (فارتقب يوم تأتى السّماء بدخان مبين...)، يملأ مابين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوماً وليلةً، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأمّا الكافر بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره6.

نعم بقي هنا شيء وهو أنّه لو كان صدر الآيات راجعاً إلى أشراط الساعة، فما معنى قوله سبحانه:(إنّا كاشفوا العذاب قليلاً إنّكم عائدون). فإنّه بالمعنى الأوّل ألصق.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ الجملة الخبرية متضمنة لقضية شرطية، وهي أنه حتّى لو كشفنا عنهم العذاب، لعادوا لما كانوا عليه من العصيان نظير قوله سبحانه: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(الأنعام:28).

د- نزول المسيح
يقول سبحانه: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلاَئِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(الزخرف:57-61).

روى المفسرون أنه لما نزل قوله سبحانه: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ(الأنبياء:98)، أحدثت قريش ضجة، وقاموا يجادلون النبي فقالوا: قد رضينا بأن تكون آلهتنا كذلك، حيث يكون عيسى أيضاً مثلهم، وقالوا "كما يحكيه سبحانه عنهم": (ءآلهتنا خيرٌ أم هو)، فليست آلهتنا خيراً من عيسى، فإن كان عيسى في النار، فكذلك آلهتنا.

فأجاب سبحانه بأنهم ماضربوا هذا المثل إلا للمجادلة والمخاصمة، وأنهم قوم خصمون لا يتطلبون الحق. ثم أخذ بتوصيف عيسى بن مريم وتبيين مقامه فقال: (وانّه لعلمٌ للسّاعة)، أي إنّ وجود عيسى في ظرف من الظروف، يعلم به قرب الساعة، فلا تكذبوا بها.

فالآية تدل على أنّ وجود عيسى في ظرف من الظروف يعلم به دنوالسّاعة، وأما ظرفه، فالظاهرمن الروايات هو نزوله بعد خروج الإمام المهدي عليه السَّلام7.

وللآية تفسيرآخر، يطلب من مظانّه8.

هـ- إخراج دابة من الأرض
قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ(النمل:82).

وتوضيح الآية يتوقف على إيضاح أُمور:

1- ماهو المراد من قوله: (وإذا وقع القول عليهم)؟.

2- ماهو المراد من الدا بة المخرجة من الأرض؟

3- بماذا تتكلم هذه الدابة، وماذا تقول؟

4- ماهو موضع قوله سبحانه في الآية: إنّ الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون؟ فهل هو يحكي قول الدابة، أوهو تعليل لصدر الآية (وقوع القول عليهم).

5- ما هو المراد من الآيات ؟

6- ما هو الهدف من إخراج الدابة؟

7- ما هو زمان إخراجها؟

والحقّ أنّ هذه الآية، إحدى الآيات التّي يحيق بها الإبهام من جهة أوجهات، وليس لها في القرآن ما يشابهها في المضمون، حتى يستعان به على تفسيرها، فلا مناص من الإمعان فيها نفسها، أواللجوء إلى الروايات الواردة حولها، فنقول:

أما السؤال الأوّل: فالمراد من وقوع القول عليهم، هو استحقاقهم للعذاب، يظهر ذلك من قوله تعالى: ﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لاَ يَنْطِقُونَ(النمل:85). وليس المراد من القول، القول اللفظي،بل القول التكويني المساوق لتحقّق العذاب، وحصوله في الخارج. وقد عرفت أنّ العالم فعل الله سبحانه، وفعله كلامه، والآيتان نظير قوله سبحانه: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(الزمر:19).

وأما الثاني: فالدابة في اللغة والقرآن تطلق على كل ما يدبّ على الأرض، يقول سبحانه: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا(هود:6). ولا يظهر من نفس الآية أنّه من أي نوع من الدواب، أهوإنسان أو حيوان، فلا مناص من الرجوع إلى الروايات التي نشير إلى مصادرها آخر البحث.

غير أنّه يمكن أن يقال إن "الدابة" استعملت في القرآن كثيراً في المعنى العام، فإطلاقها على نوع خاص منه كالإنسان، يحتاج إلى قرينة.

أضف إلى ذلك أنّه ربما استعمل في مقابل الإنسان، يقول سبحانه: ﴿... وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ(الحج:18). وفي آية أُخرى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ(فاطر:28). وهذا يدفعنا إلى القول بأنّ المراد من الدابة هو غير الإنسان.

وأما الثالث: فلا يظهر من الآية شيء في جوابه إلاّ احتمال أن يكون مقول كلامها هو ما جاء في ذيل الآية من قوله: (إنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون). وقد ورد في بعض الروايات مضمون كلامها الّذي تتكلم به.

وأما الرابع: فيحتمل أن يكون قوله: (إنّ النّاس) مقولاً لكلامها، كما يحتمل أن يكون تعليلاً لفرض العذاب عليهم، الّذي يدل عليه صدر الآية، فكأنه يقول :حق عليهم العذاب لأنهم كانوا بآياتنا لا يوقنون، ويؤيّد هذا الوجه قراءة (إنّ) بالكسر، التي تجعلها جملة مستأنفة، واقعة موقع التعليل.

وأما الخامس: فيحتمل أن يكون المراد من الآيات هو الآيات الكونية والأنفسية الواردة في قوله سبحانه: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ(فصلت:53).

كما يحتمل أن يكون المراد من الآيات، المعاجز وخوارق الآيات التي جاءت بها الأنبياء، وإطلاق الآية على المعجزة في القرآن، كثير.

ويحتمل أن يكون المراد، الكتب السماوية، فإنها آيات إلهية.

ولا يظهر من الآية شيء في تعيين أحد هذه الاحتمالات، إلاّ أنّه يمكن تأييد الاحتمال الثالث بقوله سبحانه في آية سابقة عليها: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(النمل:76).

وأما السادس: وهو الهدف من إخراج الدابة، فيمكن أن يكون إعلام دنوّ السّاعة، كما يمكن أن يكون لأجل تمييز المؤمن من الكافر، وغيرذلك من الأهداف التي وردت فيها الروايات.

وأما السابع: وهو زمان الإخراج فسياق الآيات يثبت أنّها تقع قبل يوم القيامة، عند دنوّها لقوله سبحانه بعدها: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّة فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ(النمل:83). فبما أنّ الثانية تقع قبل القيامة، فسياق الكلام يقتضي كون الأُولى كذلك.

ويتحصّل من الإمعان في الآيات أنّه سبحانه يحكي في لفيف منها عن أُمور ثلاثة، الأوّلين راجعان إلى ماقبل القيامة، ويعدّان من أشراطها، والثالث إلى نفس القيامة.

فالأول: هو وقوع القول على الكافرين وخروج الدابة.

والثاني:
هو حشر فوج من كلّ أُمة.

والثالث:
هو نفخ الصّور، أعني قوله سبحانه: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ(النمل:87).

وعلى ضوء ذلك يمكن عدّ الأوّل والثاني من أشراط الساعة9.

و- مجيء بعض آيات الربّ تعالى
يقول سبحانه: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ(الأنعام:158).

الاستفهام في الآية إنكاري، وقع في مقام يعرب عن عدم نفع العظة ونجاح الدعوة، وأنّ المخاطبين كانوا في عناد ولجاج إزاء دعوة النبي الأكرم، كما هو الظاهر من الآيات المتقدمة عليها، فإنّه يقول: (أن تقولوا إنّما أُنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا...). (أوتقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب، لكنّا أهدى منهم...).

ففي هذا السياق ورد قوله سبحانه
(هل ينظرون)، أي هؤلاء لا ينتظرون إلا أموراً تترجح بين كونها موجبة لهلا كهم أو كونها أمراً محا لاً في نفسه، أوغيرناجعة في إيمانهم عند وقوعها.

فالأول: هو قوله تعالى: (ان تأتيهم الملائكة)، فإنّ نزول الملائكة عليهم يلازم هلاكهم. يقول سبحانه: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ(الحجر:8).

والثاني: هو مجيء الربّ ومشاهدته بأُمّ أعينهم، وهو أمر محال. وإن أريد منه يوم اللقاء، الّذي ينكشف منه الغطاء، ويتجلى سبحانه بأسمائه و صفاته، تجلّياً لا يبقى معه ريب ولا شك، فلا ينجع إيمانهم عند ذاك.

والثالث: وهو مجيء بعض آياته، فهو مردد بين أن يكون المراد منه الموت الّذي تتبدل فيه نشأة الحياة إلى نشأة أُخرى، أويكون المراد هو خروج الدابة عند دنو الساعة الذي مضى البحث عنه، وعند ذلك تكون الآية ناظرة إلى بعض أشراط الساعة.

وعلى كلا المرادين، لاينفع بعدهما الإيمان والاستغفار...

قال الطبرسي: "المراد الآيات التي تضطرهم إلى المعرفة، ويزول التكليف عندها (لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل) لأنّه ينسد باب التوبة بظهور آيات القيامة"10.

روى العيّاشي عن أبي جعفروأبي عبدالله عليهما السَّلام، في تفسير الآية، قولهما:"طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة، والدخان، والّرجل يكون مصراً ولم يعمل على الإيمان ثم تجيء الآيات، فلا ينفعه إيمانه"11.

هذا بعض الكلام حول أشراط الساعة الواردة في آيات الذكر الحكيم.

وأما الروايات، فنقتبس منها ما يلي
1- روى مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد الغفاري: اطّلع رسول الله صلى الله عليه وآله علينا ونحن نتذاكر فقال: ما تذكرون؟ قلنا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر: الدّخان، والدجّال، والدابّة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب، وآخر ذلك نارٌ تطرد النّاس إلى محشرهم12.

2- روى القمي في تفسيره عن عبدالله بن عباس، قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع، فأخذ باب الكعبة، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: ألا أخبركم بأشراط الساعة، وكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رضي الله عنه، فقال: بلى يا رسول الله.

فقال: إنّ من أشراط القيامة، إضاعة الصلاة، واتباع الشهوات، والميل مع الأهواء، وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذاب قلب المؤمن وجوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره.... لاحظ بقية الحديث13.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص241-252
1- لسان العرب، ج7،ص 329، مادة شرط.
2- مجمع البيان ،ج5،ص102.
3- لاحظ المصدر السابق.
4- ويمكن جعله من أشراطها على حدة، فإنّها تحكي عن عموم حالة الفوضى والهرج والمرج في العالَم بأسره.

5- مجمع البيان، ج5، ص62، وتفسير الطبري،ج15،ص66. وبهذا المضمون روايات أُخر في المصدرين.
6- تفسير الطبري، ج 25 ، ص 68. والدر المنثور، ج6 ، ص 29.
7- لاحظ ما أوردناه من الروايات في بحث الإمامة.
8- لاحظ مجمع البيان،ج5،ص358.
9- ومن أراد التبسط في الآية، فعليه الرجوع إلى المصادر التا لية: تفسير الطبري، ج 20، ص 10-12. الدر المنثور، ج 5، ص 116. تفسير البرهان، ج3، ص 209-211.
10- مجمع البيان ،ج 2،ص388.
11- البحار،ج6،ص 312، الحديث 13.
12- جامع الأصول، ج11، ص 87، الحديث(7898). ورواه الصدوق في الأمالي، وقال في آخره: ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تنزل معهم إذا نزلوا، وتقبل معهم إذا اقبلوا (البحار، ج،6،ص 303).
13- البحار،ج6، الحديث 6، ص 305-309. وقدروى المجلسي في الجزء السادس من بحاره، في باب أشراط الساعة ص 303-306، اثنين وثلا ثين حديثاً. وما نقلناه نموذج من تلك الأحاديث، كما روى الجزري، في الجزء الحادي عشر من جامع الأصول، في الباب المعقود لبيان أشراط الساعة، ص 74 - 94، مائة وستة أحاديث.
2009-07-24