يتم التحميل...

بحث حول الشفاعة

كيف نرد على شبهات الوهابية؟

ومما كتب في تلك الأوراق من دون أن يستند فيه إلى أساس أنّ الله هل هو كمعلّم مدرسة يضرب تلميذه إلا إذا توسّط أحد بين المعلم والتلميذ تعالى الله عما يقول الظالمون علّواً كبيراً.

عدد الزوار: 25

ومما كتب في تلك الأوراق من دون أن يستند فيه إلى أساس أنّ الله هل هو كمعلّم مدرسة يضرب تلميذه إلا إذا توسّط أحد بين المعلم والتلميذ تعالى الله عما يقول الظالمون علّواً كبيراً.

وأصل هذا الكلام من الوهابية، وهو كلام مرتبط بالشفاعة فبعد أن ذكر بعض كتّاب مصر هذا الكلام ببيان آخر وأنكر الشفاعة كليّة وفسرها بتعاليم الأنبياء جاء الشيخ الطنطاوي وقبل ذلك الكلام ونسبه إلى نفسه واعتبره نفسه فاتح هذا الفتح العظيم. ثم جاءت فضلات المصريين إلى إيران وابتداء نسب «شريعت سنكلجي» ذلك إلى قوة ابتكاره، في جو صاحب. وقرأ هذا الباب رسائل الملوك ثم أخذ هذه الهذيانات اللاواعية الآتية من الوهابيين والتي تقدّم ذكرها وعبّر بحثالات الألف سنة وواجه المؤمنين بهذا التعبير العليل وهو في هذا الكلام وسائر الكلمات قلّد أربابه الأغنياء. ونحن نذكر الإشكالات الواردة في باب الشفاعة ونردّ عليها.

1. طلب الشفاعة من الأموات شرك.
وجوابه أنه تقدّم مفصّلاً وأوضحنا أن الشفعاء بعد رحيلهم من هذه الدنيا ليسوا أمواتاً بل بيّنّا أنّ حياة الأموات أي أرواحهم، وخلودها في ذلك العالم وإحاطتها بهذا العالم من الأمور المسلّمة في كلّ الفلسفة القديمة والفلسفة الأوروبية الروحية. وعلى فرض أنّ النبي والإمام يصيران بعد الموت – حسب تعبيرهم – الخشب والحجر وسائر الجمادات فلماذا يكون طلب الشفاعة شركاً غايته يكون عملاً لا طائل منه.

2. طلب الشفاعة تدخل الغير في الأعمال الإلهية وهذا شرك.
والجواب أنّ الشفاعة ليست عملاً إلهياً لأنها في الحقيقة دعاء النبي والإمام أن يغفر الله ذنب هذا الشخص وهذا عمل العبد لا الله وقد أوضحنا سابقاً الميزان والفرق بين العمل الإلهي وعمل الخلق وقلنا إنّ الأعمال التي يؤتى بها من دون استناد إلى أية قوة مكتسبة من الغير هي الأعمال الإلهية ومعلوم أن الشفاعة أمر يقع بإذن الله وهي رتبة يعطيها الله للشفيع.

3. وهو إشكال هؤلاء الذين أفلتوا لجامهم.
وهو أن الشفاعة والوساطة تنافي مقام الألوهية ويكون الله على قول المؤمنين كمعلم المكتب ما لم تتدخّل الواسطة لا يتراجع عن عمله.
والجواب[1] أنّ الإشكال بهذا الحد كلام لا دليل عليه وقول لا فائدة منه إذ بناء عليه يجب أن لا يعلم الله العباد لأنّ التعليم شغل معلم المكتب فيجب إذن أن نعتبر جميع الشرائع والأديان لغواً وأن نرفع اليد عن أوامر الأنبياء بل يجب أن لا نعتقد بوجود الله لأنّ معلم المكتب موجود. ثم إنّ المتدينين يقولون لكم أنتم أيضاً تعتبرون الله مثل معلم مكتب عنيد فإذا أراد أن يضرب أحداً يضربه بلا رحمة ولا عفو. فالحق أن هذا الكلام إلى الآن كلام غير صحيح وإشكال صبياني ولذا لندخل في بيان أمر آخر.

4. إنّ الشفاعة تنافي الإرادة الإلهية الأزلية ولازمها أن يتراجع الله عن تصميمه وهذا مناف لمقام الألوهية.
والجواب أن هذا الكلام ذكر في كتب الفلسفة ككتب الشيخ الرئيس أبي علي والمحقّق الداماد عظيم الشأن وفيلسوف الإسلام الكبير صدر المتألّهين وأجابوا عن ذلك في تلك الكتب بالتفصيل. وهذا الإشكال لا يرد فقط على الشفاعة بل على استجابة الأدعية وقبول التوبة والتي هي من واضحات تمام المذاهب وذكرها القرآن بأجمعها. وحاصل الكلام أن هذه الأمور تستلزم البداء وهو مناف لمقام الله.

وخلاصة الجواب أن التصميم الأزلي تعلق بقبول الشفاعة واستجابة الدعاء وقبول التوبة. إذن لا تغيير في التصميم. وحيث إنّ لهذا الكلام أسساً علمية كثيرة تخرج عن فهم أكثر الناس فلن ندخل في تفصيلاته ونقدم الجواب لهؤلاء على الطريقة العامية كطريقتهم وإلا فإنّ أكثر هذه البحوث ذات تحليل علمي دقيق يقصر عن إدراكها هؤلاء الأطفال الأغبياء فنقول: بناءً على قولكم يلزم أن لا يقبل الله التوبة وأن لا يستجيب الدعاء فالله حسب ما تعرّفونه إله عنيد أسوأ من المختاريين والأحمديين والمغول والمتوحشين. فإن كل من يخطو خطوة في مخالفته يخاصمه ويضيّق عليه بكل ما يملك من قوة حتى لا يكون مثل معلم المكتب. تفٍ على هذه الحيوانات المفترسة التي تتدخّل في الأعمال الإلهيّة مع هذه الجهالات. وآه من هذه الإجحافات التي ينسبونها إلى الله الرحيم.
 
شيء من القرآن لأجل الاستدلال:
هؤلاء الثرثارون لم يقرأوا القرآن ولو مرة واحدة على الأقل ليروا كم أنزل الله من آيات حول الشفاعة وبلغها الناس بعبارة صريحة حتى لا يقولوا بجرأة كاملة «تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً» ونذكر عدداً من الآيات ونطلب الحكم منكم. ففي سورة البقرة الآية 356: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ وفي سورة الأنبياء الآية: 28: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وفي سورة النجم الآية 26: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى فليقرأ القرّاء المحترمون هذه الآيات وليعتبروا من غباوة هؤلاء المنكرين للشفاعة التي أجازها الله بصريح العبارة بإذنه لفئة من الناس والذين اعتبروا المؤمنين بالشفاعة ظالمين. نحن ندرك تماماً مصدر هذه الآراء المسمومة وقد رأينا بوضوح أقوالهم السخيفة. هدفهم الأصلي النيل من القرآن والعلماء وأقوالهم والكتب والأخبار حتى يؤذوا قلوب الناس ويهدروا قوة الأمة الدفاعية ويجعلوا أقوالهم عديمة القيمة ثم بعد ذلك ينكشفون عن هدفهم الأصلي. وها نحن نوقظكم ونبيّن لكم خدعهم وأكاذيبهم وضربنا على كلامهم الفارغ بما دلّت عليه كلمات القرآن حتى لا نكون مدانين في وجدانكم وفي المحضر العظيم لربّ العالمين ولا نكون أذلاء. فيما أمّة القرآن الغيورة اقطعي أيادي هؤلاء المجرمين واكسري أقلام هؤلاء الجناة ليبقى القرآن الذي هو تاج كرامتك وشرفك.

أيها القرآن العزيز، أيها التحفة السماوية، أيها الشرع الإلهي العظيم، أيها المرشد إلى سعادة البشر أيها الشمس المشرقة من أفق الغيب، ويا أساس عزّة أمة الإسلام، ومحطم الأسس الفاسدة، أيقظ أمّتنا ونبّه شباب وطننا وأعطهم الروح والوحدة وأحي فيهم قوة المحارب وحسن التضحية وادعم ورحم شبابنا.

شعبذة عجيبة:
نمسك هذا الكاتب بحجة أخرى تخيّل أنها من ذكائه واستخرج من مقدمة معلومة نتيجة مخالفة. قال: «يقول الدين اليوم: الثاني من أصول الدين العدل لكن في مقام العمل يعرّفنا الدين على إله يشبه بائع القمح والشعير ظالم وأعماله طفولية لأنه إله يعطي الحبّة إلى قبّة والقبّة إلى حبّة هذا الإله لا يعطي مقابل ثمن لكي يعطي لسبب غير منطقي».

عفارم على هذه الشعبذة والشعوذة إذ تربط «الحبّة للقبّة والقبّة للحبّة». وهذا الأمر صحيح أي كون الله عادلاً لا يظلم أحداً ولا يجوّز الظلم لكن العفو عن ذنوب العباد ونشر الرحمة على الخاضعين وحسب تعبيركم يعطي القبّة للحبة، لا ينافي العدالة وأين هي هذه المنافاة وليس معنى العادل أنه إذا خالفه أحد أن يقضي عليه بأيّ ثمن بحيث إذا عفا عن الضعفاء والمساكين وتجاوز أخطاءهم يكون ظلماً. نعم إذا عفا الله عن حق الغير وصرف النظر عن ظل الناس لبعضهم فهذا خلاف العدل والمؤمنون لا يقولون ذلك ولا يعرّفون الناس على هذه الصفة لله بل يقولون لا يعفو عن حق الناس إلا إذا عفا صاحب الحق.  أمّا عن حقه تعالى فإن شاء عفا وهو لم يقفل باب الرحمة بالكلية عن عباده وليس هو كالظالمين المتجبّرين في هذا العالم يعاند الناس ويسحق الضعفاء فإن كان اسم هذا عندكم ظلماً، فهذه لغة تخالف لغة البشر واصطلاح مغاير لاصطلاحهم ولا أعتقد بوجود أحد غيركم يعتبر العفو ظالماً والرأفة عملاً طفولياً. ومن ألاعيبكم أنكم أحياناً تأخذون عقايد المؤمنين من شعر أحد الصوفيين وتقولون: «المتديّنون يقولون: إذا هلك العالم فالمهلِك عليّ» وأحياناً من هامش معركة الدراويش تلتقطون سطراً وعبارة لا تستند إلى أساس وتنسبونها إلى عظماء الدين وأنهم يقولون: «الله لا يعطي الجنّة ثمن ويعطيها لعذر في غير محلّه» ويغطي الحبة للقبة والقبة للحبة فاللازم إذن أن تأتوا بكتاب الـ«قاآني» ثم قولوا إن علماء الإسلام والمتديّنين يربّبون «علي قلي ميرزا» و«محمد شاه القاجاري» إذ ورد في إشعاره أن دوران الفلك واستقرار العالم بإرادتهما. والدراويش الجوالون لا تقل معلوماتكم عنهم ولهم الكثير من هذه الكلمات فكان اللازم لو أنكم في كتابكم النفيس الذي هو من ذكريات الإصلاح، أضفتم إليه مقداراً كثيراً لتتم الاستفادة.

القرآن دليلنا:
هؤلاء الأغبياء إمّا أنهم لم يقرأوا القرآن ولم يروه أو أنهم قرأوه ولكن يجعلون أقواله خلف آذانهم ولم يحترزوا من الفضيحة وانكشاف أمرهم وسمّوا عفو الله ورحمة الله عملاً طفولياً غفلة منهم عن أنه قد ينهض شخص من بين الجموع ويسلّط الضوء على أقوالهم واحداً واحداً ويكشف عن أكاذيبهم المخالفة لصريح القرآن وتعاليم الإسلام خطوة خطوة. يمكن أن لا يكون عند هؤلاء أي حياء من الذلّة وأن يفقدوا كل شرف وماء وجه أن يعتقدوا أن أقوال المتديّنين من حثالات الألف سنة ولا كلام لنا معهم ولا أمل لدينا في أن يتقبّلوا كلامنا ولا قيمة لهم عندنا. لكن نتخوّف منهم أن يلوّثوا القلوب الطاهرة لشبابنا الفتيان ونحن نحذّر أن يتأثّر أحبابنا حديثو السن من كلامهم المسموم ونخشى أن تفسد هذه الأقوال ذات الغرض القذر والمخالفة للقرآن والتعاليم الدينية، القلوب الساذجة لفتياننا وهذا هو السبب الذي دعانا للإقدام على هذا الأمر أي ليس إلا لحفظهم. وهذه آيات من كتاب الله التي سمّاها أولئك بالأقوال الطفولية:
سورة الزمر الآية 53: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
سورة النساء الآية 116: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء.
سورة آل عمران الآية 124: ﴿وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.

فالله كما تعلمون يعد عباده الضعفاء بالرحمة والمغفرة وأنهم غير مطرودين من باب رحمته ولطفه بسبب الذنب أما هؤلاء فيدلون الناس على إله كديكتاتور لا رحمة له ولا مروءة. هؤلاء المجحفون أعداء العلم الذين لم يستوعبوا عالم المحسوسات يريدون الحديث عن عالم الغيب ويتحدّثون عن المعقولات وهم لا عقل لهم. ويتدخلون مع جهلهم بالشرع الديني وعدم اطلاعهم على كتاب المسلمين الديني تدخلاً صبيانياً في كل ذلك. فماذا تعرفون عن تعاليم القرآن كما يمكن أن تشتهروا بطريقة أخرى فلماذا اخترتم طريق الكذب والافتراء على الدين والمتديّنين. صحيح أن في طهران مشترياً لكل متاع حتى إذا ادعى أحد الألوهية فقد قلّل لكن النبوة الكاذبة والألوهية الكاذبة تحتاج إلى ماء وجه أكثر وظاهر أفضل وهو لا يتوفر فيكم.


[1] هذا الجواب مفاده أنه إذا كان وجود شبه بين الله وبين معلم الكتاب منافياً لمقام الألوهيّة فالتعليم جهة شبه فيكون منافياً لمقامه والوجود جهة شبه فلا يجوز أن يكون موجوداً (المترجم).

2016-12-13