يتم التحميل...

أسباب الرزق

المسلك القرآني

على الرغم ممّا ذكر بخصوص التفاوت من حيث الإِستعداد والمواهب عند الناس، إِلاّ أنّ أساس النجاح يمكن في السعي والمثابرة والجد، فالأكثر سعياً أكثر نجاحاً في الحياة والعكس صحيح.

عدد الزوار: 54

على الرغم ممّا ذكر بخصوص التفاوت من حيث الإِستعداد والمواهب عند الناس، إِلاّ أنّ أساس النجاح يمكن في السعي والمثابرة والجد، فالأكثر سعياً أكثر نجاحاً في الحياة والعكس صحيح.

ولهذا جعل القرآن الكريم ارتباطاً بين ما يحصل عليه الإِنسان وبين سعيه.

فقال بوضوح: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 39]،ومن الأُمور المهمّة والمؤثرة في مسألة استحصال الرزق الالتزام بالمبادي من قبيل: التقوى، الأمانة، إِطاعة القوانين الإِلهية والإِلتزام بأصول العدل، كما أشارت إِلى ذلك الآية (96) من سورة الأعراف: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ . وكما في الآيتين (2 و3) من سورة الطلاق: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.

وكما أشارت الآية (17) من سورة التغابن بخصوص أثر الإِنفاق في سعة الرزق: ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ [التغابن: 17].

ولعلنا لا حاجة لنا بالتذكير أن فقدان فرد وجمع من الناس يضر بالمجتمع ولهذا فحفظ سلامة الأفراد وإِعانتهم يعود بالنفع على كل الناس (بغض النظر عن الجوانب الإِنسانية والروحية لذلك).

وخلاصة القول إنّ إقتصاد المجتمع إِن بني على أُسس التقوى والصلاح والتعاون والإِنفاق فالنتيجة أن ذلك المجتمع سيكون قوياً مرفوع الرأس، أمّا لو بني على الإِستغلال والظلم والإِعتداء وعدم الإِهتمام بالآخرين، فسيكون المجتمع متخلفاً اقتصادياً وتتلاش فيه أواصر الحياة والإِجتماعية.

ولذلك فقد أعطت الأحاديث والرّوايات أهمية استثنائية للسعي في طلب الرزق المصحوب بالتقوى، وحتى روي عن الإِمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «لا تكسلوا في طلب معايشكم، فإِن أباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها» (1).
وروي عنه أيضاً: «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل اللّه» (2).

وحتى أنّ الأمر قد وجّه إِلى المسلمين بالتبكير في الخروج لطلب الرزق (3) وذكر أنّ من جملة مَنْ لا يستجاب لهم الدعاء أُولئك الذين تركوا طلب الرزق على ما لهم من استطاعة، انزووا في زوايا بيوتهم يدعون اللّه أن يرزقهم!

وهنا يتبادر الى الذهن تساؤل عن الآيات القرآنية والرّوايات التي تؤكد على أنّ الرزق بيد اللّه، وذم السعي فيه، فكيف يتمّ تفسير ذلك؟!

وللاجابة نذكر الملاحظتين التاليتين:

1 دقة النظر والتحقق في المصادر الإِسلامية يوضح أنّ الآيات والرّوايات التي يبدو التضاد في ظاهر ألفاظه سواء في هذا الموضوع وغيره إِنّما ينتج من النظرة البسيطة السطحية، لأنّ حقيقة تناولها لموضوع ما إِنّما يشمل جوانب متعددة من الموضوع، فكل آية ورواية إِنّما تنظر إِلى بعد معين من أبعاد الموضوع، فتوهم غير المتابع بوجود التضاد.

فحيث يسعى الناس بولع وحرص نحو الدنيا وزخرف الحياة المادية، ويقومون بارتكاب كل منكر للوصول إِلى ما يريدونه، تأتي الآيات والرّوايات لتوضح لهم تفاهة الدنيا وعدم أهمية المال.

وإِذا ما ترك الناس السعي في طلب الرزق بحجة الزهد، تأتيهم الآيات والرّوايات لتبيّن لهم أهمية السعي وضرورته.

فالقائد الناجح والمرشد الرشيد هو الذي يتمكن من منع انتشار حالتي الإِفراط والتفريط في مجتمعه. فغاية الآيات والرّوايات التي تؤكّد على أنّ الرزق بيد اللّه هي غلق أبواب الحرص والشره وحبّ الدنيا والسعي بلا ضوابط شرعية، وليس هدفها إِطفاء شعلة الحيوية والنشاط في الإعمال والإِكتساب وصولا لحياة كريمة ومستقلة. وبهذا يتّضح تفسير الرّوايات التي تقول: إِنّ كثيراً من الأرزاق إِن لم تطلبوها تطلبكم.

2 إِنّ كل شيء من الناحية العقائدية تنتهي نسبته إِلى اللّه عزَّ وجلّ، وكل موحد يعتقد أن منبع وأصل كل شيء منه سبحانه وتعالى، ويردد ما تقوله الآية (26) من سورة آل عمران: ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وينبغي عدم الغفلة عن هذه الحقيقة وهي أنّ كل شيء من سعي ونشاط وفكر وخلاقية الإِنسان إِنّما هي في حقيقتها من اللّه عزَّوجلّ.

ولو توقف لطف اللّه (فرضاً) عن الإِنسان ولو للحظة واحدة لما كان ثمّة شيء إسمه الإِنسان.

ويقول الإِنسان الموحد حينما يركب وسيلة: «سبحان الذي سخر لنا هذا».

وعندما يحصل على نعمة ما، يقول: «وما بنا من نعمة فمنك» (4).

ويقول عندما يخطو في سبيل الإِصلاح كما هو حال الأنبياء في طريق هدايتهم للناس : ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود: 88]

وإِلى جانب كل ما ذكر فالسعي والعمل الصحيح البعيد عن أي إِفراط وتفريط، هو أساس كسب الرزق، وما يوصل إِلى الإِنسان من رزق بغير سعي وعمل إِنّما هو ثانوي فرعي وليس بأساسي، ولعل هذا الأمر هو الذي دفع أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلماته القصار في تقديم ذكر الرزق الذي يطلبه الإِنسان على الرزق الذي يطلب الإِنسان، حيث قال: «يا ابن آدم، الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك» (5).

* ناصر مكارم الشيرازي، الكتاب والمصدر: تفسير الامثل، الجزء والصفحة: ج7 ، ص114-116


1.الوسائل،ج12،ص38.
2.المصدر السابق.ص43.
3.المصدر السابق.ص50.
4.من ادعية التعقيبات لصلاة العصر.كما في كتب الدعاء.
5.نهج البلاغة،الكلمات القصار،الكلمة 379.

2016-01-26