يتم التحميل...

كيد الشيطان

مواعظ من نهج البلاغة

عن أمير المؤمنين عليه السلام:"اتّخذوا الشيطان لأمرهم مِلاكاً، واتّخذهم له أشراكاً. فباض وفرّخ في صدورهم. ودبّ ودرج في حجورهم. فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم. فركب بِهم الزَّلل وزيّن لهم الخَطَل فِعْلَ من قد شَرِكَهُ الشيطان في سلطانه ونطق بالباطل على لسانه".

عدد الزوار: 21

عن أمير المؤمنين عليه السلام:"اتّخذوا الشيطان لأمرهم مِلاكاً، واتّخذهم له أشراكاً. فباض وفرّخ في صدورهم. ودبّ ودرج في حجورهم. فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم. فركب بِهم الزَّلل وزيّن لهم الخَطَل فِعْلَ من قد شَرِكَهُ الشيطان في سلطانه ونطق بالباطل على لسانه". نهج البلاغة، الخطبة 7

ملاك الأمر: ما به قوامه و ديمومته.
الأشراك: جمع شرك حبائل الصيد.
باض وفرّخ: كناية عن توطنه صدورهم وطول مكثه فيها، لأنّ الطائر لا يبيض إلا في عشّه. وفراخ الشيطان وساوسه.
دبّ: مشى على اليدين والرجلين كالطفل.
درج: مشى.
الحجور: مفردها حجر الحضن وفلان نشأ في حجر فلان أي في كنفه و منعته.
الزلل: الخطأ.
زيّن: له الأمر حسّنه و الشي‏ء زخرفه.
الخطل: أقبح الخطأ.

أخلاق الشيطان
إنّ الإنسان المؤمن كما أنّه مدعوّ لمعرفة الله تعالى وأخلاقه ليتخلّق بها: "تخلّقوا بأخلاق الله" كذلك هو مدعوّ لمعرفة عدوّه الشيطان الرجيم ليبتعد عن أخلاقه.
والشيطان هو كلّ موجود مؤذٍ مغوٍ طاغٍ متمرّد، إنساناً كان أم غير إنسان، وإبليس اسم الشيطان الذي أغوى آدم ويتربّص هو وجنده الدوائر بأبناء آدم دوماً1.


وللشيطان أخلاق وصفات منها:

1- الاستكبار والعصبية
ففي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام: وهي تتضمّن ذمّ إبليس لعنه الله، على استكباره و تركه السجود لآدم عليه السلام، و أنّه أوّل من أظهر العصبية و تبع الحميّة، و تحذير الناس من سلوك طريقته.

"فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ، وَتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ. فَعَدُوُّ اللهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ، وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ، وَنَازَعَ اللهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّل"2.

لذلك على الإنسان المؤمن أن لا يتعصّب إلّا للحقّ والدين، ويبتعد عن أيّ عصبيّة أخرى حتّى لو كان لأهله وإخوته وأقاربه.

2ـ اتّباع الهوى
من صفات الشيطان اتّباع هواه، فهو يريد عبادة ربّه حسب هواه، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "أمر الله إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا ربّ وعزّتك إنْ أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنّك عبادة ما عبدك أحد قطّ مثلها، قال الله جل جلاله: إنّي أحبّ أن أطاع من حيث أريد"3.

وكم نرى من الناس من يتّصف بهذه الصفة حيث يريد ديناً حسب ما تشتهي نفسه، فبعضهم تقول له أطع الله، صلّ الصلوات الخمس، زكِّ، خمّس، انته عن المعاصي، يجيب: إنّما الإيمان في القلب، وينسى أو يتناسى أنّ الإيمان بالقلب لا يكفي إن لم يلزمه العمل الصالح. لذلك نرى في كثير من الآيات الكريمة قرناً دائماً بين الإيمان والعمل الصالح، يقول تعالى: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ4.
ويقول سبحانه:﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا5.
فنلاحظ في الآية الشريفة أنّ أيّ عمل للصالحات لا بدّ حتّى يؤتي ثمرته وهي دخول الجنّة أن يكون مقروناً بالإيمان.

خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
من الأمور التي تساعد على مجابهة الشيطان معرفة خططه، ومن خططه أنّه لا يوقع الإنسان المؤمن في المعاصي الكبيرة بخطوة واحدة وبشكل مكشوف،بل يعطيه السموم على جرعات، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ فعبارة ﴿خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ قد تشير إلى مسألة تربوية دقيقة، وهي أنّ الانحرافات تدخل ساحة الإِنسان بشكل تدريجيّ، لا دفعيّ فوريّ. فتلوُّث شابٍّ بالقمار، أو شرب الخمر، أو بالمخدّرات، يتمّ على مراحل:فمثلاً يشترك أوّلاً متفرّجاً في جلسة من جلسات لعب الورق، ظانّاً أنّه عمل اعتياديّ لا ضير فيه.

ثمّ يشترك في اللعب نفسه للترويح عن النفس (دون ربح أو خسارة)، أو يتناول شيئاً من المخدّرات بحجّة رفع التعب أو المعالجة أو أمثالها من الحجج.
وفي الخطوة الأخرى يمارس العمل المحرّم قاصداً أنه يمارسه مؤقتاً.
وهكذا تتوالى الخطوات واحدة تلو الأخرى ويصبح الفرد مقامراً محترفاً أو مدمناً مريضاً.

فوساوس الشيطان تدفع بالفرد على هذه الصورة التدريجية نحو هاوية السقوط. وليست هذه طريقة الشيطان الأصليّ فحسب، بل كلّ الأجهزة الشيطانية تنفّذ خططها المشؤومة على شكل "خُطُوات". لذلك يحذّر القرآن كثيراً من اتّخاذ الخطوة الأولى على طريق الانزلاق.

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين6. ويقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَر7.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "وَاتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ"8.
وعنه عليه السلام: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ، وَ يُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً"9.

ما يساعد الشيطان على الإنسان

ثم إن هناك أموراً عديدة تساعد الشيطان على الإنسان منها:
1ـ مجالسة أهل الهوى
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "وَاعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ، وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلْإِيمَانِ، محضرةٌ للشيطان"10.
من هنا حذّر الإمام من مجالسة أهل الأسواق لأنّ أكثرهم أهل هوى: "وَإِيَّاكَ وَمَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ، فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ الشَّيْطَانِ، وَمَعَارِيضُ الْفِتَنِ"11.

2-الافتراق عن جماعة أهل الحقّ
فعنه عليه السلام: "وَمَنْ رَمَى بِهِ الشَّيْطَانُ مَرَامِيَهُ، وَ ضَرَبَ بِهِ تِيهَهُ فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ، كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ"12.
فلذلك لا بدّ أن يحرص الإنسان على البقاء في أجواء أهل الحق والذكر وعمل الخير ولا يشذّ عنهم كي لا يقع في شرك ومصيدة إبليس اللعين.

3ـ الظلم والكبر
فعنه عليه السلام: "فاللهَ اللهَ فِي عَاجِلِ الْبَغْيِ، وَ آجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ، وَ سُوءِ عَاقِبَةِ الْكِبْرِ، فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إِبْلِيسَ الْعُظْمَى، وَ مَكِيدَتُهُ الْكُبْرَى، الَّتِي تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ"13.
فلذلك لا بدّ من الاجتناب عن الظلم والكبر كي لا يقع المؤمن في مكيدة إبليس.

4ـ الانشغال بعيوب غيره عن عيوب نفسه
فعنه عليه السلام: "فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَ ارْتَبَكَ فِي الْهَلَكَاتِ، وَ مَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ فِي طُغْيَانِهِ، وَ زَيَّنَتْ لَهُ سَيِّئَ أَعْمَالِهِ"14.
وهذه آفّة عظيمة عند الإنسان حيث يلقي بالملامة دائماً على غيره ويبرّئ نفسه، بينما نجد الأولياء يقولون: ﴿وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ15.

5ـ الوقوع في الفتنة
فعنه عليه السلام: "وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ، انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ، وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَ يَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنى"16.
فلا بدّ من المعرفة والتعلم والوعي لكي يستطيع الإنسان أن يميّز بين الحقّ والباطل، وعليه بالرجوع إلى العلماء وإلى المخلصين الواعين من المؤمنين كي ينصحوه فلا يقع في الفتنة وبالتالي يضلّ الطريق.

6ـ الإعجاب بالنفس وحبّ المدح
فعنه عليه السلام: "وَإِيَّاكَ والْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَحُبَّ الْإِطْرَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ"17.
فإنّ الإعجاب بالنفس وانتظار مدح الناس له يؤدّي إلى محق العمل فيدخل إبليس من هذا الباب وتكون نهاية الإنسان التعب في الدنيا والخسران في الآخرة.

7ـ الشكّ
عنه عليه السلام: "وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّيْبِ وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ"18.
لذلك لا بدّ من أن يخطو الإنسان المؤمن في كل خطواته بثقة وعلم ومعرفة ويقين لا سيما في المعتقدات، حتّى لا يقع تحت وطأة حوافر الشياطين.

8 ـ الغضب
فعنه عليه السلام: "وَاحْذَرِ الْغَضَبَ، فَإِنَّهُ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ"19.
"وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ فَإِنَّهُ طَيْرَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ"20.
ومن الواضح أنّ الغضب نار تشتعل في الإنسان فتطغى على العقل وبالتالي يقع بالمفسدة والضرر.

9-الإفراط في حبّ النساء والخلوة بالأجنبية
عن الإمام عليّ عليه السلام: "الفتن ثلاث: حبّ النساء وهو سيف الشيطان، وشرب الخمر وهو فخّ الشيطان، وحب الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان"21.

وفي الرواية أنّه قال إبليس لموسى عليه السلام: يا موسى لا تخل بامرأة لا تحلّ لك، فإنه لا يخلو رجل بامرأة لا تحلّ له إلا كنت صاحبه دون أصحابي22.
فلشدّة خطورة هذه الخطوة ولأنها سريعة في إيقاع المؤمن بالمعصية يتدخّل إبليس بنفسه ليوقع المؤمن بما يغضب الله، لذلك لا بدّ من أخذ الحيطة للدين والحذر من الخلوة بالمرأة الأجنبية.

10ـ حبّ المال والترف
عنه عليه السلام من كتاب له إلى معاوية:" فإنّك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه، وبلغ فيك أمله، وجرى منك مجرى الروح والدم"23.
وعنه عليه السلام: "إنّ الشيطان يدير ابن آدم في كلّ شيء، فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته"24.
وهذه مصيبة عامّة البلوى، تأخذ بالإنسان برقبته وتورده المهالك، فعلى الإنسان أن يعي أنّ المال ليس إلّا وسيلة للعيش في هذه الدنيا الفانية برضا الله والتقرّب إليه فيها للوصول إلى ذلك العالم، فالمال وسيلة لرضا الله سبحانه، وليس هدفاً بنفسه.

11-الحسد والعداوة
يقول تعالى:﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء25.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "يقول إبليس لجنوده: ألقوا بينهم الحسد والبغي، فإنهما يعدلان عند الله الشرك"26.

*مواعظ من نهج البلاغة ، سلسلة الدروس الثقافية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1-انظر، الأمثل، الشيخ مكارم الشيرازي، ج1، ص171.
2-نهج البلاغة، الخطبة 192.
3-بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 2، ص 262.
4-العصر: 1 ـ 3.
5-النساء: 124.
6-البقرة: 168.
7-النور: 21.
8-نهج البلاغة، الخطبة 151.
9-م. ن، الخطبة 121.
10-م. ن، الخطبة 86.
11-م. ن، الكتاب 69.
12-م. ن، الخطبة 127.
13-نهج البلاغة، الخطبة 192.
14-م. ن، الخطبة 157.
15- يوسف: 53.
16-نهج البلاغة، الخطبة 51.
17-نهج البلاغة، الكتاب 53.
18-م. ن، الحكمة 31.
19-م. ن، الكتاب 69.
20-م. ن، الكتاب 76
21-بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج2، ص107.
22-بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج13، ص350.
23-نهج البلاغة، الكتاب 10.
24-شرح أصول الكافي، المولى محمّد صالح المازندراني، ج9، ص337.
25-المائدة: 91.
26-بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 72، ص 278.

2014-08-09