يتم التحميل...

أن تكون متميزاً بشكل صحيح..

إضاءات إسلامية

أن تكون متميزاً بشكل صحيح..

عدد الزوار: 13


 
طموح خاص في عهد المراهقة والشباب
  قد تلوح بعض النزعات والرغبات في قلب الإنسان في أيام المراهقة والشباب، وأحيانا ما تتحول إلى أمنيات. ولكن مهما ابتعد الإنسان عن أيام شبابه ومضى صوب الكِبَر والشيخوخة، يغضّ الطرف عن هذه المطامح إذ لا يمكن الحفاظ عليها إلا بجهد جهيد.

  إنّ بإمكان هذه المطامح والأمنيات أن تؤدي إلى شقاء الإنسان إن أسأنا التعامل معها، وفي نفس الوقت بإمكانها أن تؤدي إلى سعادة الإنسان إن أحسنّا التعامل معها. إن من شأن هذه النزعة أن تؤدي دورا كبيرا في تبلور حياة الإنسان. إنها لأمنية مهمة جدا ولا ينبغي أن تهمل عن عدم اكتراث.

  لا يخلو قلب أحد من هذه الرغبة إلى حدّ ما، ولكن لا يظهرها بعض الناس. أمّا اليوم وبسبب الثقافة السائدة في المجتمع أصبح الكلام عن هذه الرغبات أمرا يسيرا. لا أريد أن أتطرق إلى حسن هذا العمل أو عدمه، ولكن أحيانا ما نسمع هذه الأمنيات عن غير المتدينين أكثر من المتدينين. 

  نستطيع أن نسمّي هذه الرغبة بحبّ «التمايز». إنها لأمنية بديعة. إن أصل تبلور هذه الأمنية في وجود الإنسان أمر جميل جدا، وهو أن يتمنى الإنسان أن يمتاز عن الآخرين ولا يكون مثلهم. إنها لأمنية جيدة جدا وتشحن الإنسان بالطاقة والاندفاع ولا سيما في فترة الشباب.

  بيد أن بعض الناس لا يتعاطون مع هذه الأمنية الجميلة كما ينبغي. فعلى سبيل المثال قد يسرّح شعره بشكل غريب أو يرتدي زيّا غريبا ليمتاز عن الآخرين. أنا لست الآن بصدد بيان صواب هذا السلوك أم خطأه، ولكن إذا اقتصر حب التمايز بهذا النطاق وبلغ ذروته عند هذا المستوى فهذا غير صحيح.

  ومن جانب آخر يهوى بعض الناس أن يلبي شهوته في التمايز في مجال الفكر والمشاعر المعنوية والأعراف الاجتماعية، حيث يخالف المسار العامّ ويسبح عكس التيّار بلا روية وتمييز بين الصواب وعدمه. فقد تؤدي هذه الرغبة في التمايز إلى أن يصبح غير مبال بما عنده فيقضي على كل مواهبه وطاقاته وثرواته.
 
ذروة الاختلاف
  إن رغبة الإنسان في التمايز والاختلاف أمر جميل بحد ذاته. ولكن لابدّ من ترشيد وتنمية هذه الرغبة في وجودنا لنبلغ القمة. إن ذروة الاختلاف هو «التمايز». يعني أن لا نكتفي بالاختلاف وحسب، بل لابدّ أن ينطوي هذا الاختلاف على امتياز وفضل، ويكون امتيازنا واختلافنا مجسدا لفضلنا وسلوكنا الحسن.

  فلنتمنَّ أن نمتاز عن الآخرين، بحيث إن كان باقي الناس أخيارا صالحين، نكن أفضل منهم. وإن كان للناس عموما بعض السلبيات، ندعها ونبتعد عنها. وبالتأكيد لا يتبلور هذا الطموح إلا في ذوي الهمّة العالية والشخصية القوية.
 
الشهيد شمران، انسان متمايز
  من هذا المنطلق بودّي أن أتحدث عن إنسان مختلف ومتمايز. إن حياة الشهيد شمران، تنطوي على مقاطع تدلّ على أن هذا الإنسان كان إنسانا متمايزا بارزا، فعلى سبيل المثال يتحدث الشهيد نفسه عن أيام مراهقته فيقول:
  »کان من وظائفي اليومية في تلك الأيام أن أشتري خبزا أثناء رجوعي من المدرسة ونتغدى به في ذلك اليوم. ذات يوم وأثناء ما كنت أمضي في طريقي إلى البيت، رأيت فقيرا يعاني من برد الشتاء وقدماه منغمستان في الثلج، كان يرتجف ويستجدي. فكلما حاولت أن أمرّ منه بغير مبالاة لم استطع. فأعطيته نقود الخبز. بعد ذلك واجهت سؤالا جادّا في البيت من قبل أهلي؛ ماذا فعلت بالنقود؟ ولماذا لم تشتر خبزا؟ لم أجبهم سوى أن قلت لهم ليست النقود بيدي. وكلما ألحّوا عليّ أن أخبرهم بما جرى على النقود وما فعلت بها، لم يسمح لي قلبي أن أقول لهم لقد أعطيتها لذاك الفقير حفاظا على ماء وجهه في البيت«.

  إنها إحدى ذكريات أيام مراهقة الشهيد شمران، وكم كان متمايزا عن باقي أقرانه وزملائه. لم يقتصر هذا الاختلاف والتمايز عن الآخرين في أيام مراهقته بل كان كذلك في أيام كِبَره أيضا:
  »سئل يوما، ماذا تريد أن تفعل بعد التقاعد؟ وكان آنذاك صاحب شهادة الدكتوراه في فيزياء البلازما، وكان ممثل الإمام ومورد ثقته، كان قد حرّر مدينة باوة مضافا إلى كونه شاعرا ورساما جيدا إلى غيرها من الكفاءات والمواهب. فسألوه عما يرغب في ممارسته أيام الشيخوخة. فيجيب: لقد تحدثت مع زوجتي في هذا الموضوع. فإن أقعدنا عن العمل وعجزنا عن كل شيء نكون خادمَين في مسجد ما إن شاء الله«.
 
سماحة الشيخ علي رضا بناهيان

2021-05-05