يتم التحميل...

الإمامة والحاكمية في بيان الإمام الرضا (عليه السلام)

إضاءات إسلامية

الإمامة والحاكمية في بيان الإمام الرضا (عليه السلام)

عدد الزوار: 6


 
يهمنا الاشارة إلى موقف الإمام الرضا (عليه السلام) من الإمامة بصورة عامة، بعد أن انتهت إليه أسرار الإمامة ومفاتيح كنوزها. واذا أمعنّا النظر في الآثار الواردة عنه (عليه السلام) في خصوص الإمامة نجده (عليه السلام)، قد تناول معظم المفردات التي تحتاجها الأمة في معرفة حقيقة الإمامة والإمام، ومن هذا القبيل بيانه (عليه السلام) للعلامات التي يُعرف بها الإمام.

عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه عن أبي الحسن علي ابن موسى الرضا (عليهم السلام)، قال: «للإمام علامات، يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس..»[1] .

من جانب آخر كشف لنا عن الآثار الكونية للإمامة، وأن الأرض لا تخلو من إمام هدى: عن الحسن بن علي الوشا، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): هل تبقى الأرض بغير إمام؟ فقال: «لا» فقلت: فإنّا نروي: أنها لا تبقى إلاّ أن يسخط اللّه على العباد، فقال: «لا تبقى، إذا لساخت»[2] .

وتتبدّى لنا أهمية جعل اللّه أولي الأمر، والأمر بطاعتهم، من الرواية التي ذكرها الفضل بن شاذان، وقال إنه سمعها من الإمام الرضا (عليه السلام)، وأذن لعلي بن محمد بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا (عليه السلام)، ومن يقف طويلاً عندها يدرك عمق أغوار فكر الإمام الرضا (عليه السلام)، وهو فكر له السبق والريادة على علماء الاجتماع السياسي الذين انتقدوا النظرية «الفوضوية» القائلة بعدم حاجة الناس إلى الحكومة، وأكدوا على ضرورة وجود أولي الأمر لمصالح كثيرة؛ دينية واجتماعية وسياسية، وقد اقتبسنا من هذه الرواية الأسطر ذات الدلالة الآتية: «..فإن قال قائل: فلِمَ جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة، منها: أن الخلق لما وقفوا على حد محدود، وأُمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم.. يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم، لأنه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام».

ومنها: «إنا لانجد فرقة من الفرق ولاملة من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس، ولما لابد لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لابد لهم منه، ولا قوام لهم إلاّ به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون فيئهم، ويقيم لهم جمعهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم».

ومنها: «أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة وذهب الدين وغيرت السنن والاحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبّهوا ذلك على المسلمين، لأنا وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله) لفسدوا على نحو ما بينا، وغيرت الشرائع والسنن والاحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين»[3].

إن هذه الرواية في الوقت الذي سيقت فيه لبيان أهمية أولي الأمر تكشف ـ من جانب آخر ـ عن فلسفة الحكومة في الإسلام وضرورة وجود القيادة في المجتمع، كما تحكي ـ ضمنيا ـ عن ضرورة سيادة الدين في جميع مرافق الحياة.

وبعد، فلم يقتصر الإمام الرضا (عليه السلام) على تبيان الأمور النظرية والعقلية المتعلقة بموضوع الإمامة، وانما كشف الادلة النقلية عن القيادة الربانية التي اختارتها العناية الإلهية لقيادة البشرية...
 
الإمام الرضا (عليه السلام)، سيرة وتاريخ، عباس الذهبي - بتصرّف


[1] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 192، ح 1، باب (19)، كشف الغمة 3: 82.
[2] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 246، ح 3، باب (28).
[3] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 106 ـ 108، ح 1، باب (34).

2019-10-21