يتم التحميل...

آداب تلاوة القرآن_الآداب الباطنية

الآداب العامة للقرآن

قال تعالى:"الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ" 1 . وفي تفسير الآية يقول الإمام الصادق عليه السلام:"يرتلون اياته ويتفهمون معانيه ويعملون بأحكامه ويرجون وعده ويخشون عذابه ويتمثلون قصصه ويعتبرون أمثاله ويأتون أوامره ويجتنبون نواهيه.."2.

عدد الزوار: 108

تلاوة القرآن حق تلاوته

قال تعالى:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ 1 .

وفي تفسير الآية يقول الإمام الصادق عليه السلام:
"يرتلون اياته ويتفهمون معانيه ويعملون بأحكامه ويرجون وعده ويخشون عذابه ويتمثلون قصصه ويعتبرون أمثاله ويأتون أوامره ويجتنبون نواهيه.."2.

وحق تلاوة القرآن أن يحقق الهدف وهو الهداية
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ.

ولحصول الهداية هناك أمور ينبغي مراعاتها، أهمها:

التدبر في القرآن

قال تعالى:
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا3 .

فالقراءة التي لا تدبر فيها لا خير فيها. وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:
"ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه" 4 .

وقال تعالى:
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ5 .

وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وعلى آله يقول:
"إني لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن" 6 .

وقد سئل صلى الله عليه وعلى آله عن أحسن الناس قراءة، فقال صلى الله عليه وعلى آله:
"إذا سمعت قراءته رأيت أنه يخشى اللَّه" 7 .

وعن الزهري قال سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول:
"آيات القرآن خزائن العلم، فكلما فتحت خزائنه فينبغي لك أن تنظر فيها" 8 .

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه ذكر جابر بن عبد اللَّه ووصفه بالعلم، فقال له رجل: جعلت فداك، تصف جابراً بالعلم وأنت أنت. فقال عليه السلام:
"إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ .." 9 .

التأثر والخشية

قال تعالى:
﴿ِإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا *ً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا10.

وهذه أحوال المستمع لتلاوة القرآن المتدبر فيه فكيف بمن يتلوه بنفسه؟ قال تعالى:
﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القرآن عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه11 .

البكاء والحزن

ورد في الخبر: "اقرأوا القرآن بالحزن" 12 .

وفي بعض الأخبار:
"إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا"13.

"اللَّه اللَّه في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم" 14 .

والقرآن كلام الحق ومن الأدب حين نقرأ هذا الكلام أن نكبره ونعظّمه فلا نستهين بأوامره ونواهيه وإنذاره ووعيده وما ينبى‏ء عنه من حقائق وأسرار.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله:
"من قرأ القرآن ولم يخضع للَّه ولم يرق قلبه ولا يكتسِ حزناً ووجلاً في سرّه، فقد استهام بعظيم شأن اللَّه تعالى، فانظر كيف تقرأ كتاب ربك ومنشور ولايتك وكيف تجيب أوامره ونواهيه وكيف تمتثل حدوده" 15 .

فإن عظمة اللَّه تعالى وقدرته المطلقة تجلت لعباده في القرآن الكريم، ومن كمال الأدب ونحن نقرأ القرآن أن نستحضر الحزن في قلوبنا والدمعة في عيوننا، والخوف والشفقة في نفوسنا كما هو حال النبي صلى الله عليه وعلى آله حين كان يستمع إلى القرآن الكريم، فقد كانت عيناه تفيضان بالدمع. وكان صلى الله عليه وعلى آله يقول:
"ما من عين فاضت من قراءة القرآن إلا قرّت يوم القيامة"16.

ومن لم يجد في نفسه خشية وانكساراً فليتباك لقوله صلى الله عليه وعلى آله:
"اقرأوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" 17 .

الإخلاص في القراءة

من الآداب المفيدة في تلاوة القرآن الكريم الإخلاص، وقد وردت بذلك روايات كثيرة. منها ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام:
"قراء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة واستدر به الملوك واستطال به على الناس. ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده وأقامه إقامة القدح، فلا كثّر اللَّه هؤلاء من حملة القرآن. ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه فأسهر به ليله وأظمأ به نهاره وقام به في مساجده وتجافى به عن فراشه فبأولئك يدفع اللَّه العزيز الجبار البلاء، وبأولئك يديل اللَّه من الأعداء، وبأولئك ينزل اللَّه الغيث من السماء، فواللَّه لهؤلاء في قراء القرآن أعز من الكبريت الأحمر" 18 .

القرآن يخاطبنا

ومن آداب القرآن المعنوية، أن نستصحب في وعينا دائماً أن قضايا القرآن ومفاهيمه ومواعظه ليست من قضايا الماضي الذي كان، إنما هي قضية اللحظة وكل لحظة، إنها قضيتنا نحن، والخطاب فيها هو لنا نحن بالذات لا لقوم اخرين كانوا، أو لغيرنا، بل لنا ولكل فرد فينا، أن يستشعر القارى‏ء للقران أنه هو المخاطب بالذات وليس كتاب مطالعة يقرأ فيه عن عصر من التاريخ فات. وعندما يتفكر القارى‏ء للقران في كل اية من اياته الشريفة ويطبّق مفادها على حاله ونفسه فإنه يرفع نقصانه بواسطة هذا التطبيق ويشفي أمراضه به. فعندما يقرأ مثلاً قصة إبليس وطرده من مقام القرب مع تلك السجدات والعبادات الطويلة ويتساءل لماذا كان ما كان، يجد أن مقام القرب الإلهي هو مقام المطهرين، ومع التلبّس بالأوصاف والأخلاق الشيطانية لا يمكن القدوم إلى ذلك القرب، فيبادر إلى التخلص منها ليحصل مقام القرب.

وبكلمة أن نستشعر دائماً حياة القرآن إنه حيّ دائماً، ليهب الحياة إلى قلوبنا وتصير أرواحنا معلقة بعز قدس اللَّه تعالى.

رفع موانع الاستفادة

ويُعبّر عن هذه الموانع بالحجب بين المستفيد والقرآن وهي كثيرة نذكر منها:

حجاب رؤية النفس:

بحيث يزّين الشيطان للإنسان الكمالات الموهومة ويرضي الإنسان ويقنعه بما فيه ويسقط من عينه كل شي‏ء سوى ما عنده.

فنبي اللَّه موسى عليه السلام مع ما عنده من المقام العظيم والعلم، لم يكتف بما عنده وبمجرد أن لاقى شخصاً كاملاً كالخضر عليه السلام قال له:
﴿هلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًاً 19 .

فلا ينبغي لكل أهل العلم باختلاف اهتماماتهم، أن يكتفوا بما يرضيهم ويشبع نهمهم الخاص، فلا يكتفي أهل التفاسير بوجوه القراءات والاراء المختلفة ولا أهل البلاغة بفنون المجاز والكناية، بل عليهم أن يعتبروا أنفسهم معنيين بالدعوات الإلهية إلى المزيد:
﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًاً20 .

حجب الآراء الفاسدة والعقائد الباطلة:

وهو ناشى‏ء في الغالب من التبعية والتقليد.

فمثلاً قد جاءت الآيات الكثيرة الواردة في لقاء اللَّه ومعرفته، ولكن لما رسخ في ذهن الناس وانتشر بينهم أن طريق معرفة اللَّه مسدود بالكلية وقاسوا باب معرفة اللَّه على مسألة التفكر في الذات الممنوع عنه والممتنع أصلاً والتي لا يدرك كنهها إلا هو، فهذا الباب من المعرفة، وهو معرفة اللَّه الذي هو غاية بعثة الأنبياء، قد سدوه على أنفسهم بحجة أن التفوّه به محض الكفر والزندقة.

حجاب المعاصي:

فالمعاصي تمنع من الاستفادة من معارف هذا الكتاب السماوي وتحجب القلب عن إدراك حقائقه. ويمكن أن يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿لا يمسّه إلا المطهرون فكما تدل الآية على حرمة مس ألفاظ القرآن الكريم من دون طهارة ظاهرية كالوضوء فكذلك تشير إلى أن إدراك معانية العالية والتي هي أبعد مما تشير إليه ظواهر الألفاظ، هذه المعاني لا يدركها إلا من صفت نفسه وارتقت، وتطّهرت عن دنس المعاصي.

كما أن هناك حجباً أخرى طوينا عنها... تُلتمس في مظانها.

* دروس قرآنية. سلسلة المعارف الاسلامية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: 6، آب 2009م- 1430هـ. ص: 37-42.


1- التوبة: 121.
2- ميزان الحكمة، ج3، ص2526.
3- النساء: 82.
 4- بحار الأنوار، ج92، ص211.
 5- الحديد: 16.
 6- ميزان الحكمة، ج3، ص2532.
 7- بحار الأنوار، ج92، ص211.
 8- بحار الأنوار، ج92، ص219.
 9- قريب منه في تفسير القمي، ج2، ص147.
 10- الإسراء: 109.
 11- الحشر: 21.
 12- ميزان الحكمة، ج3، ص2528.
 13- الأمالي، السيد المرتضى، ص25.
 14- نهج البلاغة.
 15- البحار، ج82، ص43.
 16- ميزان الحكمة، ج3، ص2529.
 17- ميزان الحكمة، ج3، ص2529.
 18- أصول الكافي، ج2، ص604.
 19 الكهف: 2 .
20- طه: 114.

2010-06-09