يتم التحميل...

مواعظ في سطور-3

مواعظ في سطور

الضيق المجهول - مَظهرية المعصوم لصفات الحق - المعرفة الإكتسابية والإشراقية - الأنوار المحدقة بالعرش - مأساة الحسين عليه السلام - المبدأ التعويض - انتظار الفرج - سلب المحبة - حقيقة الزيارة - إشراف المعصوم - توقير الذرية - آثار الأولياء - إهداء الأعمال للمعصومين - الإرادة الطولية...

عدد الزوار: 26

الضيق المجهول
قد تنتاب الإنسان حالة من الضيق المفاجئ، ولا يعلم لذلك سببا واضحا..فالأمر قد يكون بدواعي (طبعيّـة) كالمرض والإرهاق وغيره، وقد يكون بسبب (ارتباط) الأرواح المؤمنة، فينعكس على الأرواح المتجانسة، بمقتضى وحدة الجسد الإيماني..ولا شك أن لتأثر (قلب) عالم الوجود - صاحب العصر عليه السلام - تأثيراً بالغاً في تأثر قلوب المحبين، وهو ما نلحظه بشكل واضح قبيل غروب الجمعة، لارتباط ذلك اليوم بوجوده الشريف..فانقضاء ذلك اليوم المتوقع فيه الظهور من دون فرج، مما يعكس الحزن والكآبة التي قد تمتد آثارها حتى في عالم الطبيعة.

مَظهرية المعصوم لصفات الحق
روي عن الإمام الصادق عليه السلام في ذيل قوله تعالى: (فلما آسفونا انتقمنا منهم): (إن الله لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون مدَّبرون) الميزان-ج18ص118..فالمستفاد من هذا الحديث وغيره من الأحاديث في هذا المجال، أن المعصوم عليه السلام مظهر لحالة الرضا والغضب وغير ذلك من الصفات المنتسبة إلى الرب المتعال، رغم أنه مخلوق مدبَّـر كما في الحديث الشريف..ومن هنا تتأكد أهمية نيل رضا صاحب الأمر عليه السلام - وهو الإمام لأهل هذا الزمان - لأن رضاه (كاشف) عن رضا الرب بل (ملازم) له..وقد وردت عبارة بليغة في زيارة الحسين عليه السلام التي أوصى بها الإمام الصادق عليه السلام وهى: (إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم، وتصدر من بيوتكم) البحار-ج101ص151.

المعرفة الإكتسابية والإشراقية
إن العلم بموقع الأئمة عليه السلام من (الحق) وموقعهم في (الخلق)، يتحقق بمراجعة الأحاديث الواردة منهم كالزيارة الجامعة وغيرها من روافد المعرفة (الإكتسابية)..إلا أن هناك طريقاً آخر للمعرفة يتمثل بالمعرفة (الإشراقية) التي تمنح للسائرين في طريق تقوى الله تعالى والتوسل بأوليائه عليه السلام..ومن هنا نرى النماذج المتميزة من أصحابهم الذين تفانوا في حبهم، كعابس بن شبيب الذي صاح قائلا: حب الحسين أجنّـني، ممن لم يملك المعرفة النظرية المستقاة من الكتب، بالشكل الذي قد نطلع نحن عليه، من خلال انتشار تراثـهم في هذه العصور.

الأنوار المحدقة بالعرش
ينبغي استذكار حالة (المـنّة) الإلهية لأهل الأرض، وذلك (بإهباط) الأنوار المحدقة بعرشه إلى أرضه..ومن المعلوم أن هذه الأنوار المستمتعة بجوار الرب، عانت الكثير من أهل الأرض قتلا وسبيا وتشريدا، حتى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصف نفسه بأنه لم يؤذ أحد مثلما أوذي..هذا الإحساس يُشعِر صاحبه بالخجل وبالشكر المتواصل، عندما يقف أمامهم زائرا من قرب أو متوسلا من بعد..وهذه هي إحدى الروافد التي أعطتهم هذا القرب المتميز من الحق، لأن ذلك كله كان بأمره وفي سبيل رضاه.

مأساة الحسين عليه السلام
إن لمأساة الحسين عليه السلام وقعاً متميزاً، سواء في حياة الأنبياء السلف، أو بالنسبة إلى خاتم الأنبياء وذريته..ومقارنة إجمالية بين حالة الإمام عليه السلام في يوم عرفة (بدعائه) المتميز، وبين حالته في يوم عاشوراء (بأحداثه) الثقيلة، تبين شيئا من عظمة الكارثة، وكيف أنه عزّ على رب العالمين، أن يعامل أعرف أهل زمانه بالله عز وجل، هذه المعاملة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً !..ومن هنا كان (الارتباط) به من خلال إحياء ذكره، والتأثر بمصابه، من أعظم سبل (نيـل) رضا الرب بما لا يخطر على العقول، إذ أن عظمة المأساة مما لم تخطر على الأذهان.

المبدأ التعويض
إن مبدأ التعويض سار حتى في معاملة الحق للمعصومين عليه السلام..فقد عُوّض الحسين عليه السلام بقتله: أن جُعل الشفاء في تربته، والإجابة تحت قبته، والأئمة من نسله..ومن المعلوم أن الاعتقاد بمبدأ التعويض يخفف على العبد معاناة فقدان بعض النعم..ولا شك أن عظمة التعويض متناسبة مع شدة البلاء، فالمتيقّن بمبدأ (التعويض) من الحكيم القدير، تطيب نفسه (بسلب) المعوّض ما دام العوض عظيما.

انتظار الفرج
إن انتظار الفرج حقيقة، يلازم الاستعداد النفسي للمشاركة في بسط العدل الشامل عند ظهور الفرج..وإلا تحوّل الأمر إلى مجرد (أمنية) في نفس صاحبها - قد يؤجر عليها - ولكنه لايعد (منتظر)، كما هو الحال في انتظار الضيف الذي له متطلباته..فالإنسان يتمنى قدوم الضيف منذ برهة ولا يسمى منتظراً له، إلا - قبيل قدومه - عند توفير تلك المتطلبات..هذه الحالة تعكسها الفقرة التالية من زيارته عليه السلام: (فلو تطاولت الدهور وتمادت الأعصار،لم أزدد فيك إلا يقينا ولك إلا حبا..فأبذل نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع ما خولني ربي بين يديك..فها أنا ذا عبدك المتصرف بين أمرك ونهيك)0

سلب المحبة
لاشك في أن محبة أهل البيت عليه السلام وولايتهم من ذرائع النجاة..وهي قيمة مستقلة في حد نفسها وان لم تقترن بالعمل، خلافا لمن لا يراها إلا ضمن العمل..ولكن تراكم الذنوب - وخاصة الكبيرة منها - قد يسلب المحب هذه الجوهرة، كما حصل للبعض طول التأريخ كالشلمغاني في زمان الغيبة، الذي خرج التوقيع من الناحية المقدسة بلعنه والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله..ويمكن استفادة هذه الحقيقة من قوله تعالى: (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوءا أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون)..فالسوء من مقولة (الفعل)، والتكذيب يعود إلى الموقف (الإعتقادي) والنفسي لهؤلاء المكذبين.

حقيقة الزيارة
إن زيارة المعصوم عليه السلام تعني - حقيقة - وجدان الزائر نفسه بين يدي المزور..فيراعي أدب المكان، ويستحضر حالة الخطاب، كما لو كان مع الحي بمقتضى القول: (أشهد أنك تسمع كلامي، وترد سلامي)..ولو خليت الزيارة من هذه الحقائق، لكانت الزيارة زيارة (البدن لحرم المعصوم)، لازيارة (المحب لنفس المعصوم)، ومن المعلوم أن الآثار الكاملة للزيارة مترتبة على الثاني دون الأول..وهذا هو السر في أن زيارات المعصومين عليه السلام لا تستتبع تحوّلاً جوهرياً في سلوك العبد، وذلك لانتفاء المواجهة المتفاعلة وإن حصل الأجر الأخروي.

إشراف المعصوم
إن استشراف المعصومين عليه السلام لعالم الشهود - مع كونهم في عالم الغيب - مما لا ينكر عقلا ونصا..فالأول (بمقتضى) حياتهم المستمرة بعد الممات الظاهري، مع الاحتفاظ بجميع ملكاتهم، ومنها مظهريتهم لوصف الرب المتعال..واما الثاني (فكالنص) الصحيح الوارد في المنع عن الجمع بين فاطميتين، معللا بأن ذلك يبلغ الزهراء عليه السلام فيشق عليها ذلك ثم يحلف الإمام عليه السلام بقوله: إي والله، عند تعجب الراوي (البحار-ج104ص27)..فلو تحقق مثل هذا الإشراف - من قِبَـلهم - بالنسبة إلى أحد من أوليائهم، لكان ذلك بمثابة (تبـنّي) اليتيم الذي لو ترك وشأنه، لهوى مع الهاوين..وقد ورد عنهم ما يؤيد هذا المعنى بشقّيه: (إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالـزم طريقتنا، فإنه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه)البحار-ج2ص115.

توقير الذرية
إن ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هم التركة المحسوسة والحيّة فينا..ومن هنا كان توقيرهم توقيرا لأجدادهم، وهو ما يستفاد من الأخبار والتزام السلف الصالح به..وهذه السنة أيضا مطابقة للفطرة وسنة الأمم، إذ المرء يحفظ في ولده، وهذا (التوقير) من السبل المهمة لجلب (عنايتهم)، كما تشهد به الحوادث الكثيرة على مر العصور.

آثار الأولياء
إن وجود البركة والتأثير في الآثار المنتسبة إلى أولياء الله تعالى، مما يؤكده القرآن الكريم أيضاً، إضافة للسنة والواقع المشهود في حياة الأمم السابقة..فقد ارتد يعقوب عليه السلام بصيرا عندما ألقى البشير (القميص) على وجهه..وقد جعل السكينة في التابوت وهو (الصندوق) الذي وضع فيه موسى عليه السلام عند إلقائه في النيل، ولشرافته حملته الملائكة، وقد قال الحق تعالى: (ياتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة).. بل أن السامري أخذ (قبضة) من أثر الرسول، فكان له من الأثر ما كان..فما المانع من شرافة القبور التي تضم أجداث خواص خلق الله سبحانه ؟!، بل إن البركة فيها أوضح، إذ التابوت حوى بدن نبي - لفترة قصيرة - وهو رضيع لم يبلغ الحلم، خلافا لمضاجعهم الطاهرة التي صارت مختلفاً للملائكة صعودا وعروجاً كما تشهد به النصوص، ومركزاً للكرامات الباهرة كما تشهد به الوقائع جيلا بعد جيل.

إهداء الأعمال للمعصومين
إن من الأمور المناسبة هو الالتزام بإهداء بعض الأعمال للمعصومين عليه السلام، فإنه محاولة للقيام بشيء من حقوقهم، ولاشك في أنهم يردّون (الهـدية) بأضعافها كردّهم (الّسّلام) بأحسن منها، كما هو مقتضى كرمهم الذي عرف عنهم..وخاصة إذا قلنا بانتفاعهم بأعمالنا، كما قيل في أن الصلاة على النبي وآله يوجب رفع درجاتهم، بمقتضى الدعاء برفع درجتهم في التشهد وغيره، وإلا كان الدعاء لغواً.

الإرادة الطولية
إذا اعتقدنا أن (إرادة) الأئمة للشفاعة وللخارق من الأمور، إنما هي في (طول) إرادة الله تعالى وبإذن منه، فلا تبقى أيّـة غرابة فيما روى عنهم، أو رؤى منهم من أنواع الكرامة..فالقرآن تارة يسند قبض الأرواح - وهو من مهام الأمور - إلى (الحق) نفسه، فيقول تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موته)..وتارة إلى (مَلَك) الموت فيقول: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم)..ومن المعلوم أنه كلما تعاظم قدر الوكيل، كلما تعاظم قدر الموكِّل نفسه.

طلب الحقائق
يغلب على طلبنا من المعصومين عليه السلام الجانب المادي: من شفاء مرض، أو أداء دَين، أو ما شابه ذلك..إذ قلما نتوجه إليهم بطلب (المعارف) والحقائق فيما يتعلق بمعرفة الرب المتعال وسبل الوصول إليه، والحال انهم (أميل) لقضاء مثل هذه الحوائج التي بعثوا من أجلها، ولا شك في صلاحها للعبد..وقصص السلف الصالح يكشف عن نماذج مذهلة ممن اغترف من فيض جودهم، ففتحت لهم أبواب واسعة من المعارف الحقة، والآيات البيّنة التي جعلتهم يعيشون على نور من ربهم في هذه النشأة، ليمتد أثره حتى بعد انتقالهم من هذه النشأة الدنيا، بل ليسعى بين أيديهم في النشأة الآخرة.

شكر نعمة الولاية
يتوجب على الذين شُـرّفوا بشرف الولاية لأئمة الحق عليه السلام، أن يبالغوا في شكر هذه النعمة، لأنهم خُصّصوا (بأشرف) الأديان و (بالمذهب) القويم..وهذه نعمة خالدة لا تعادلها نعمة في عالم الوجود، لخلود هذه النعمة و فناء النعم الأخرى..وأفضل أنواع الشكر هو (الإتّـباع)، مصداقا لقوله تعالى: (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، و(العمل) لقوله تعالى: (اعملوا آل داوود شكر).

الاستئناس بكلمات المعصومين
ينبغي لحملة لواء الإرشاد في كل عصر الاستئناس بكلمات المعصومين عليه السلام المتطرّقـة لمختلف حقول الحكمة..فإن الأنس بالنصوص يشكل حاجزا - ببركتهم - من (الاجتهادات) المنحرفة، أو (المشارب) الباطلة، أو (التقوّل) في الدين بمالم يقم عليه برهان..أضف إلى أن الغور المتواصل في أحاديثهم، يفتح أبواب الحـكمة الأخرى لتجري من القلب على اللسان، كما يهب صاحبها (حسّ) خاصا في تمييز مالم يصح عنهم.

الدعوة بالحجج البالغة
من السبل الكبرى لجلب عناياتهم عليهم السلام، هو (التصدي) للدعوة إلى سبيلهم في أي موقع كان صاحبه - وان لم يكن في زي أهل الدعوة والتبليغ - وذلك بذكر محاسن كلماتهم، واختيار الحجج الواضحة - وما أكثرها - في إثبات عقائدهم المستقاة من نمير الوحي، والدعوة إلى التمسك بهديهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وخاصة عند ذوي القلوب (المستعدة)..وخاصة أن هناك طبقة من الخلق لا يصل إليها رجال الدين، فلزم وجود (الوسيط) بينهم وبين هذه الطبقة، إذ بهم تكتمل مهمة دعاة الحق والخير..وقد خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام بقوله: (لئن يهدي الله على يديك عبداً من عباد الله، خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها إلى مغاربه) البحار-ج1ص215.

إعجاز استمرار خط أهل البيت
إن المتأمل المنصف في التأريخ، لا يمكن أن يصف توالي الأئمة من دون (انقطاع) في البين و بهذا (التجانس) في الأقوال والأفعال من باب الاتفاق..فنرى الأول ينص على الآخر وحديث الآخر يسانخ حديث الأول، وذلك خلال قرنين ونصف، على ما فيه من تغيير للحكام والثقافات والـُبنى الاجتماعية، حتى لانكاد نميز الإمام القائل لما روي عنه لو تعمدنا عدم ذكره، وذلك لوحدة النهج الإلهي الذي ساروا عليه جميعاً..فكيف إذا أضفنا إلى ذلك، خبر الصادق المصدق صلى الله عليه وآله وسلم الذي بشّر باثني عشر خليفة كلهم من قريش، كما رواه البخاري وذكره مسلم في كتاب الإمارة عن جابر بن سمرة إذ قال: (سمعت رسول الله يقول: لايزال الإسلام عزيزا إلى إثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها..فقلت لأبي ما قال ؟، فقال: كلهم من قريش).

آجال الأمم
كثيرا ما تنتاب الإنسان حالة من القلق لما تجري في الأمة من النكبات توصله إلى حد اليأس..والحال أن الحق المتعال كما خلق الأرض وقدّر فيها (أقواته) من الأرزاق، كذلك قدّر فيها (مقدراته) من الآجال المكتوبة للأمم غير المكتوبة للأفراد، وقد ورد في الخبر: (إذا أراد الله أمراً سلب العباد عقولهم، فأنفذ أمره وتمت أرادته، فإذا نفذ أمره رد إلى كل ذي عقل عقله، فيقول كيف ذا ومن أين ذا ؟!) البحار-ج78ص335..وأحاديث عرض الأعمال على ولي كل عصر - في ليالي القدر وغيرها - تدل على أن الأحداث الصغيرة والكبيرة تجري على مسمع من أذن الله الواعية، ومرأى من عين الله الناظرة..وعليه فالمطلوب من العبد أن يقدم الشكوى إلى أولياء الأمر دائماً، فهم (المعنيّون) بمقدرات هذه الأمة قبل غيرهم، مصداقا للدعاء: (اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره).. إذ أن الغمة التي بليت بها الأمة إنما هي من آثار الغيبة، فكان من الطبيعي انكشاف تلك الغمة الموحشة، بالحضور المبارك الرافع لتلك الغمة..

2013-07-01